ما الذي جري للمجتمع المصري ؟!.. سؤال يردده الكثير منا حين نقارن ماكان عليه هذا المجتمع قبل أحداث 25 يناير ومانحن عليه الآن .. فرق كبير بين سلوكيات اليوم والأمس .. تناقض واضح بين رومانسية الستينيات من القرن الماضي مثلا ومادية هذه الأيام .. هذا التناقض ستجده حين تقارن أفلام الأبيض والأسود بأفلام هذه الأيام أو حين تقارن أغاني كوكب الشرق أم كلثوم وحليم وفريد الاطرش بأغاني محمود الليثي وسعد الصغير وبوسي!.
ذات يوم سألتني إبنتي الكبيرة لماذا أغاني زمان كانت راقية في كلماتها ومعانيها ماجعلها أغاني باقية وخالدة نستمع إليها بين الحين والاخر عكس أغاني هذه الأيام السطحية في معانيها والمبتذلة في كلماتها؟!.. فخرجت إجابتي لها صادمة وقلت لأننا كنا من قبل مجتمعا أكثر تحضرا عما نحن عليه الآن .. فالفن مرآة المجتمع .. وإذا أردت معرفة مجتمع أي مجتمع فما عليك سوي معرفة فنه .. والمجتمع المصري حتي منتصف سبعينيات القرن الماضي كان مجتمعا تحكمه العادات والتقاليد والمبادئ والاخلاقيات والمثل حتي جاء عصر الانفتاح الاقتصادي في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي وكان بمثابة بداية التحول في سلوكيات المجتمع المصري!.
طغت المادة علي العاطفة .. وصارت المادة هي المحرك الرئيسي لاشباع رغبات المصريين وبعد أن كان المجتمع المصري مجتمعا تطغي عليه العاطفة والرومانسية صار مجتمعا ماديا بعد أن زادت الرغبات والتطلعات حيث أصبح كل شيء متاحا من سلع استفزازية صارت بمرور الوقت وبحكم التقليد سلعا ضرورية لايمكن الاستغناء عنها إلي أن جاءت أحداث 25 يناير 2011 التي أراها قد أخرجت أسوأ مافي المصريين من سلوكيات فتوارت الاخلاقيات والمثل والقيم وحل محلها البلطجة والفهلوة والتبجح وقلة الأدب..واصبحنا نسمع عن جرائم غريبة علي مجتمعنا .. أو عن ناشط مستعد يخون وطنه من أجل حفنة دولارات أو إرهابي تحركه عناصر خارجية تقوم بتمويله ليقتل الأبرياء.
وفي الواقع .. فقد صاحب التحول الجذري في سلوكيات المجتمع المصري تراجا كبير للتربية والتعليم والثقافة فانتشر التفكك الأسري نتيجة غياب دور أولياء الأمور وزادت معدلات الطلاق بشكل مخيف .. وشهد التعليم تدهورا ملحوظا وأصبح الدور الذي كانت تقوم به المدرسة مفقودا وحل محله دور المدرس الخصوصي وبدلا من أن يكون التعليم من أجل التعلم صار من أجل الحصول علي الشهادة فقط .. واصبح من العادي جدا أن يخطئ خريج الجامعة في الإملاء!.
أما الثقافة فحدث ولاحرج .. القراءة صارت ترفا لايقدر عليه الكثير وغاب دور المكتبات وقصور الثقافة حتي هجرها المثقفون والمبدعون وأغلقت معظم المسارح أبوابها بالضبة والمفتاح وتخلت الدولة عن دعم السينما وتركت المجال واسعا أمام القطاع الخاص لينتج أفلاما شعارها الأول والأخير الربح فاختفت الأفلام الجادة والهادفة وتحولت السينما من منبر للتنوير والتوعية إلي ساحة للرقص المبتذل والهلس والمخدرات.
خلاصة القول.. ثلاثة أشياء لو عادوا عادت مصر الجميلة وهي التربية والتعليم والثقافة!!