تتحدث الصحافة الإسرائيلية هذه الأيام عن السيناريو المرعب الذي ستواجهه دولتهم خلال العشرين عاما القادمة . الناتج عن اتجاه عدد متزايد من الدول العربية إلي امتلاك مفاعلات نووية لتوليد الطاقة . وإمكانية تحول هذه المشاريع السلمية مستقبلا إلي مفاعلات عسكرية إذا أتيحت لهذه الدول القدرة علي تخصيب اليورانيوم . ومن ثم فسوف يكون علي إسرائيل أن تواجه واقعا جديدا حينما تصبح محاطة بدول عديدة ذات قدرات نووية .
لم تعد مشكلة إسرائيل في إيران وحدها وإنما في جيرانها العرب الذين وقعت مع بعضهم اتفاقيات سلام وتسعي جاهدة إلي فتح قنوات للحوار مع بعضهم الآخر . لكن الخوف من تحولات المستقبل وتغير ميزان القوي عالميا وإقليميا يجعلها في حالة هلع دائم . مع أنها إلي الآن هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك السلاح النووي . وتتمتع بالحماية الأمريكية لسياسة الغموض التي تنتهجها وتنفرد بها عالميا . فلا تنفي ولا تؤكد حيازتها للقنبلة النووية وتعطي لنفسها الحق في تدمير أية منشآت نووية في أية دولة عربية لمجرد الشك .
مؤخرا نشرت صحيفة " هاآرتس " دراسة لتشاك فرايليخ نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقا والأستاذ في معهد هرتسليا تحت عنوان " الشرق الأوسط يصبح نوويا .. وعقيدة بيجين تقترب من نهايتها " يقول فيها إن الشرق الأوسط يتقدم نحو سيناريو رعب لمنطقة تحوي لاعبين نووين متعددين . ليس المقصود هذه المرة إيران . بل توسع مشاريع نووية من أجل الطاقة . وفي منطقتنا تميل مشاريع نووية مدنية في النهاية لتتحول إلي مشاريع عسكرية .
ويبدأ مسلسل التخوف من السعودية ومصر والإمارات والأردن . فالسعودية الآن تستهلك ربع انتاجها من النفط . وإذا لم تنوع مصادرها لتوليد الطاقة يمكن أن تصبح دولة مستوردة للنفط خلال عشرين عاما . ولذلك طرحت السعودية مؤخرا مناقصة لبناء أول مفاعلين نوويين من مجموع 16 مفاعلا . وبالنظر إلي خوف السعوديين المتزايد من إيران وتزعزع ثقتهم في الحليف الأمريكي فإن لديهم الرغبة في أن يضمنوا علي الأقل وجود بنية تحتية لقدرة عسكرية نووية إذا دعت الحاجة . ولهذا تعارض السعودية الشرط الأمريكي للحصول علي مفاعلات . وهو التخلي عن القدرة علي تخصيب اليورانيوم لمنع سوء استخدام المشاريع النووية المدنية .
ولكن بعد أن سمح الاتفاق النووي عام 2015 لإيران بتخصيب اليورانيوم أصبح من الصعب ان تطلب أمريكا من السعودية التنازل عن مثل هذه القدرة . وتتخوف من أن يؤدي الإصرار علي شرطها إلي أن تذهب السعودية لشراء مفاعلات من موردين آخرين ليس عندهم هذا الشرط مثل روسيا والصين . ولذلك تدرس الإدارة الأمريكية التخلي عن هذا الشرط . الأمر الذي سيؤدي ـ من وجهة نظر فرايليخ ـ إلي طلب مماثل من جانب مصر والإمارات وإلي زيادة التهديد الإيراني . ويمكن أن تكون النتيجة انهيار الاتفاق النووي ونشوء سباق تسلح نووي في المنطقة .
علي الجانب الآخر ـ هكذا يقول الخبير الإسرائيلي ـ تحاول روسيا استغلال صفقات نووية وعسكرية من أجل أن تستعيد مكانتها في المنطقة كقوة قائدة . وقد وقعت مؤخرا اتفاقا للتعاون النووي مع السعودية بالإضافة إلي صفقات أسلحة متطورة . وفي ديسمبر وقعت مع مصر اتفاقا لبناء 4 مفاعلات للطاقة حتي نهاية عام 2028 . ستمول روسيا المفاعلات . وستبني في مصر مصانع لإنتاج قطع خاصة بها . وهكذا تتوالي الصفعات المصرية والسعودية القوية الموجهة لواشنطن .
وأكمل غدا إن شاء الله .