المصريون
جمال سلطان
هل باعت مصر ألف كيلو متر من سيناء للسعودية ؟!
لا شك أن حالة التوتر السياسي التي تعيشها مصر تنعكس سلبا على مجريات الحياة كافة ورؤية كل الأطراف لها ، وأسوأ ما فيها أنها تغيب التقدير العادل والصحيح لمصالح البلد ، فالعناد يورث الكفر كما يقولون ، وأعتقد أن شيئا من ذلك حدث مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحالية لمصر ، وما أعلن عنه من تعهد مصر بتوفير مساحة ألف كيلو متر مربع من جنوب سيناء لمشروع "نيوم" العملاق الذي يعتبره ولي العهد السعودي مشروع عمره ومستقبل بلاده بعيدا عن النفط والارتهان له ، فما إن أعلن عن ذلك حتى ضجت المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي في مصر بالغضب والتشنج من الخطوة ، وانتشرت التعليقات الساخرة والأخرى المحبطة التي تقول أن مصر "باعت" ألف كيلو متر من سيناء إلى السعودية ، وربطوا تلك المسألة بأزمة تيران وصنافير وعمت حالة من الأسى غير المفهوم وغير المبرر منطقيا .
أولا ينبغي التفريق بين وضع تيران وصنافير ، حيث انتقلت السيادة عليهما إلى السعودية بموجب الاتفاقية المثيرة للجدل حتى الآن ، وبين ملف الألف كيلو متر في سيناء ، لأنه لا يتعلق بنقل السيادة ، وإنما هي أرض مصرية وستبقى مصرية ، ولكن المطروح هو مشاركة مصر في المشروع التنموي العملاق "نيوم" ، ولما كانت مصر لا تملك السيولة المالية لتلك الشراكة الضخمة فقد كانت حصتها تتمثل في توفير الأرض أو جزء من الأرض ، وهذا أسلوب دارج ومشهور في جميع أعمال ومشروعات التنمية ، وتعتمده البنوك نفسها في المشاركة ، حيث يمكن أن يساهم شريك بالأرض التي يملكها ويساهم البنك بالسيولة المالية ، فأين المشكلة في ذلك ، بل أعتقد جازما أن هذا المشروع إذا اتخذ مساره الصحيح والجدي سيكون مكسبا كبيرا لمصر وشعبها ، خاصة وأن ساحل جنوب سيناء الرائع من الجانب المصري غير مستغل تقريبا بصورة مثلى ، لأنه يحتاج إمكانيات مالية هائلة ، ومن زار "طابا" على سبيل المثال سيجد في هذا المكان الساحر منشآت محدودة وبسيطة ولا تعبر عن الأهمية السياحية الكبيرة للمنطقة ، وأي دولة أخرى صديقة أو شقيقة أو حتى رجل أعمال يملك السيولة المالية ويريد أن تخصص له الدولة ألف كيلو متر أخرى فليتفضل ، ما المانع ؟ .
ولو أن مشروع "نيوم" احتاج أن يضم نصف سيناء الجنوبي بكامله فالعقل والمصلحة توجب الترحيب ، وليس فقط ألف كيلو متر ، لأنه سيغير وجه الحياة في المنطقة بكاملها ، كما سيتيح لنا تعمير سيناء بشكل حقيقي وهو أمل طالما راودنا العقود الماضية ، ودع عنك أنه سيوفر مئات الآلاف من فرص العمل الكريمة والسخية للمصريين ، ولذلك أنا أدعم هذا المشروع بقوة وأدعم مساهمة مصر فيه من خلال المشاركة بتوفير الأرض ، أقول هذا وأنا معارض لسياسات كثيرة تجري الآن في البلد ، ولكن مصلحة الوطن والشعب المستقبلية لا يصح أن تكون أسيرة خلافنا السياسي الحالي أو توتراتنا تجاه أداء سياسي رسمي نرى أنه غير ديمقراطي أو يهدر الكثير من حقوق الإنسان ، فإذا ظهر مشروع حقيقي جاد ويدعم مستقبل التنمية في البلاد فالواجب علينا جميعا دعمه والترحيب به وفصله عن خصوماتنا السياسية .
المشكلة الأساسية في ما حدث أن المعلومة لم نعرفها هذه المرة أيضا ، إلا من الطرف الآخر ، ويبدو أن تلك أصبحت سنة ثابتة في تعامل الحكومة مع الشعب ، أنه آخر من يعلم ، لا برلمان ولا إعلام ولا مراكز بحث ولا أي شيء ، فأغلب الاتفاقيات والمشروعات التي تبرمها الدولة خلال الأعوام القليلة الماضية لا نعرف بها إلا من خارج البلاد ، هذا وضع سيء للغاية ، ولا يبرهن على احترام القيادة لشعبها ، لا يصح أن نتعامل مع الشعب على أنه مجموعة أطفال سذج لا يعرفون مصلحتهم ، ولا أنهم مجموعة من الجهلة الذين لا يحسنون تمييز الأمور ، هذا له مردود سلبي للغاية حتى على خطوات الدولة في تلك المشروعات والحماس لها ، كما أنه يثير الكثير من اللغط عن أسباب إخفاء الأمر عن الناس وكأنه سر ، لأن ما تخفيه الحكومات عن شعوبها من الطبيعي أن يكون مظنة الانحراف ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس كما ورد في الأثر المعروف .
نرحب بالمشروع بكل تأكيد ، ونتفاءل كثيرا بشراكة مع الأشقاء في السعودية بما يملكونه من قدرة مالية وخبرات تنموية ترجمت في نهضة واضحة على مدار السنوات الأربعين الماضية ، ولكن من الضروري أن تكون هناك مكاشفة عن تفاصيل الاتفاق ، عن طبيعة الشراكة ، عن حصة مصر فيها ، عن المشروعات المقترحة داخل المشروع الأساس ، عن الفترة الزمنية للشراكة ، عن الشروط الجزائية إن وجدت ، عن ضمانات الحقوق ، هذه وغيرها من المعلومات يفترض أنها ليست أسرارا ، لأننا أمام مشروع اقتصادي ولسنا أمام أسرار عسكرية ، والمكاشفة تطيب النفوس وتحشد الرأي العام لدعم المشروع ، كما أنها تتيح الفرصة للخبرات المصرية أن تبادر بتقديم أفكار أو رؤى تدعم الفكرة وتضيف إليها ، وهذا ما أتمنى أن نسمعه الآن من القيادة المصرية بشكل خاص .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف