د. محمود خليل
قول كلام غير دا يا «مبارك»
الشخصيات الجامدة التى لا تفهم أن التغيير سنة من سنن الحياة، كما أنه سنة من سنن السياسة، ناهيك عن أن الحياة نفسها إلى زوال، يصعب عليها الاعتراف بالخطأ. فى هذا السياق يمكن أن نفهم التسريب الأخير الذى نشرته صفحة «أنا آسف يا ريس»، ونسبته إلى الرئيس الأسبق «مبارك»، ويتحدث فيه عن دور الأمريكان فى ثورة يناير، وأن هذا الدور يجد جذوره فى عام 2005. وقال «مبارك» نصاً: «يا جماعة الأمريكان حطوا صوابعهم فى الشق منى، لا قادر أتنازل لهم عن قاعدة ولا ميناء ولا اتصالات ولا حاجة، وعاوزين يزيحونى بأى ثمن».
هل يمكن أن نصدّق الرجل الذى يخطو حثيثاً نحو التسعين من عمره؟. أظن أنه صعب.. صعب جداً. «مبارك» شأنه شأن غيره من الرؤساء الذين حكموا مصر، آمنوا بدور الولايات المتحدة فى الاستمرار على عروشهم، ومنحوها مقابل ذلك الكثير مما كانت تطلبه، وأظن أن «مبارك» يذكر الأدوار التى لعبها لحساب الأمريكان فى حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، حتى انتهى الأمر بالمنطقة إلى الحال التى آلت إليها بعد غزو العراق وسقوط بغداد عام 2003. خلافاً للكثير من الرؤساء الذين تناوبوا على حكم مصر كان «مبارك» تلميذاً للرئيس السادات الذى كان مقتنعاً بأن 99% من أوراق اللعبة فى أيدى الأمريكان، وأظن أنه استوعب هذا الدرس جيداً منذ زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية قُبيل حادث المنصة الشهير عام 1981. الكلام الذى يقوله «مبارك» سمعناه كثيراً من رؤساء مصريين وغير مصريين يصفون الولايات المتحدة بالمتآمر الأعظم والشيطان الأكبر الذى تريد التخلص منه فى وقت يبرمون معها الصفقات والاتفاقات من تحت لتحت. كيف يقتنع مواطن أن الولايات المتحدة تتآمر على نظام يرى فى كل لحظة أنه يسارع إلى الاستجابة لمطالبها، ويتواصل المسئول الأول فيه مع كبار مسئوليها، على مرأى ومسمع من الجميع؟.
دعونا نصدق «مبارك» للحظة ونقول معه إن الولايات المتحدة تآمرت ضده، وإنها كانت تخشاه، وكان ساكن البيت الأبيض يعيش فى حالة رعب وهلع منه ويريد التخلص منه بأى طريقة، لكننا نطرح السؤال التالى: هل كان من الممكن أن تحقق الدولة الأمريكية أمنيتها فى التخلص من «مبارك» وشعبه ملتف حوله، ويريد استمراره؟. «مبارك» لا يريد قبول ما أثبتته الأحداث من أن شعبه هو الذى ثار ضده وتخلص منه، وأنه لم يكن فى مقدور الولايات المتحدة الأمريكية ولا غيرها أن تطيح به لو كان الشعب يريده. كما أن أمريكا بكل جبروتها لا تستطيع أن تفرض على المصريين حاكماً ثاروا ضده. ومؤكد أن «مبارك» شاهد حالة الغضب التى تعاملت بها الإدارة الأمريكية مع مسألة الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسى، لكنها لم تتمكن من فعل أى شىء، بسبب الجموع التى نزلت فى 30 يونيو تطالبه بترك الحكم وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ذكرت لك -قبل سابق- أن نظام حكم «مبارك» انتهى فى اللحظة التى فقد فيها صلاحيته. تهاوى فى اللحظة التى وصل فيها المصريون إلى حالة يأس من إصلاح حالة الفساد والإفساد السياسى والاقتصادى التى ضربت البلاد والعباد. انهار فى اللحظة التى أحسّ فيها المواطن أن النظام حوّل مصر إلى «عزبة» للأسرة الحاكمة ورجالها. لست أدرى من يجب أن يتأسف لمن: الشعب أم «مبارك» هو الذى يجب أن يتأسف للشعب!.