د. محمود خليل
التقييم.. الفضيلة الغائبة
إنه فضيلة مهمة من الفضائل المرتبطة بالنجاح. ذلك هو التقييم. لا يستطيع إنسان أن يواصل عملاً إلى ما لا نهاية. العقل يفرض عليه ضرورة التوقف والتقييم وتحديد ما نجح وما فشل فى تحقيقه من أهداف وضعها لنفسه. فى علوم الجودة يتحدثون عن الدراسة الذاتية التى يجب أن تقوم بها المؤسسة لتحديد نقاط القوة والضعف فى أدائها، وبإمكانك القول إن واحداً من أهم أهداف التعليم فى كل مراحله هو غرس درس «التقييم» داخل نفس المتعلم. ومن يخرج من المؤسسة التعليمية دون أن يستوعب هذا الدرس، فليعلم أنه خرج عرياناً.
سؤال: كيف حال المجتمع المصرى على مستوى هذا «الكساء»؟. كثيرون عرايا لا يهتمون بالتقييم كما يعتنون بالاستمرار حتى ولو كان استمراراً لأخطاء، يتم تكرارها مراراً وتكراراً دون توقف. والنتيجة أن مجتمعنا تحول إلى مجتمع يسير داخل الحذاء. نادراً ما يتطور!. تعال نضرب مثلاً على ذلك بحدثين عصفا بالحالة المصرية ورجّاها رجاً. الحدث الأول تمثل فى ثورة 25 يناير، التى زلزلت الأوضاع داخل البلاد، وأظهرت العديد من مكامن القوة داخل المجتمع، وفى الوقت نفسه كشفت الكثير من العورات والمثالب التى كانت تنتظر الفرصة للتعبير عن نفسها من خلال حالة الارتباك التى أعقبت الثورة. والسؤال: هل وقف الذين شاركوا فى هذه الثورة وآمنوا بها وقفة تقييم مع أنفسهم، يعترفون فيها بما وقعوا فيه من أخطاء، ويحاولون التعلم منها، ويعيدون هيكلة أسلوب تفكيرهم تبعاً لما قاموا به من تقييم؟. أشك أن أحداً وقف مع نفسه وفعل ذلك. الحدث الثانى تمثل فى خروج المصريين فى 30 يونيو للتخلص من حكم الإخوان. هل وقف من شاركوا فى 30 يونيو وآمنوا بها وقفة التقييم تلك ليواجهوا أنفسهم بما تعلموه منها؟. أشك أيضاً أن ذلك قد حدث. وأساس الشك معلوم بالضرورة، فما زالت كل الأطراف التى تجد فى نفسها تعبيراً عن 25 يناير أو 30 يونيو تكرر نفس الأخطاء، وتفكر بنفس الطريقة، وتتعامل مع مستجدات الأحداث بذات الأسلوب، وكأنها لم تتعلم شيئاً.
لا يلتفت الكثيرون بالدرجة المناسبة من الانتباه إلى خطورة غياب فضيلة التقييم عن مشاهد الحياة فى مصر، ولا تفطن الأغلبية إلى أن تردى الحالة العامة وتراجع مستوى الأداء يجد علته فى غياب التقييم، سواء على المستوى الفردى أو الجماعى أو المؤسسى. كان عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، يحاسب نفسه يومياً على أدائه المتعلق بشئون الأرض التى يديرها، والمتصل بعلاقته بالسماء والامتثال لتعاليمها. ما أكثر من كان يردد «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا». وإليه يعود الفضل فى سك المقولة الشهيرة «رحم الله امرأ أهدى إلىّ عيوبى». إنها مقولة تعبر عن عبقريته كحاكم يعلم أن أساس التطوير هو التقييم، وتحديد نقاط الضعف فى الأداء، والتعلم من الأخطاء، ولا بأس من أن يقيّم الخليفة نفسه، ولم يكن هناك مانع أيضاً من أن يقوّم غيره بتقييمه، ليكشف له عيوبه، ولا يحرمه من هداياه.