الأهرام
محمد ابو الفضل
حان وقت التمدد الإقليمى لمصر
الحذر الذى تعاملت به مصر مع كثير من القضايا الإقليمية خلال السنوات الماضية، كان مفهوما فى سياق إعادة ترتيب البيت من الداخل، وكثافة القوى المتصارعة للسيطرة على المنطقة، الآن أصبحت مصر أكثر أمنا واستقرارا، وبدأت الجهات الطامحة للهيمنة تتلقى ضربات تجبرها على التراجع والانكفاء.

التاريخ، البعيد والقريب، يؤكد أن الحفاظ على استقرار مصر يبدأ من خارج حدودها، وكتبت وغيرى عن هذه المسألة وليس هناك داع لتكرار التجارب التى أثبتت ذلك، وحان الوقت للتمدد بهدف تأمين ما تحقق من إنجازات فى الداخل، وصد أى جموح قادم من الخارج.

التوجهات والتصورات والأفكار التى يتبناها النظام المصرى الحالى أتت بثمار جيدة خلال الفترة الماضية، وكانت صائبة فى الاقتراب الحذر من بعض الملفات الإقليمية ذات التأثير غير المباشر على الأمن القومي، وأولت اهتماما كبيرا بكل ما له علاقة مباشرة بالأمن المصري.

الصيغة التى جرى تبنيها كانت جيدة، حتى لو بدت للبعض غير ناجعة، جنبت البلاد التورط فى أزمات مفتوحة، تجد الدول التى تورطت فيها معضلة فى الاستمرار وأزمة كبيرة فى الخروج منها، وكل المقاربات المصرية، فى سوريا واليمن ولبنان والعراق، أو فى الموقف من تدخلات إيران وتصرفات تركيا وقطر فى المنطقة، اتسمت بقدر عال من التريث، بدأ المعارضون قبل المؤيدين يدركون مبرراته وأهدافه أخيرا.

الفترة التى فرضت الحذر الزائد أوشكت على الانتهاء، ومن يمعن النظر فى المشهد الإقليمي، يتأكد أن ثمة فراغا ظاهرا، على الرغم من كل الضجيج الذى أحدثته إيران وتركيا وقطر والإخوان وداعش وغيرهم طوال السنوات الماضية، فراغ بحاجة لقوة مثل مصر، تستطيع أن تملأه، والفرصة مهيأة أمام فرض نموذجها المعتدل.

المنطقة على وشك لململة الكثير من جراحها العسكرية والسياسية، وهناك اتجاه لتهيئة الأجواء أمام التسوية السياسية فى سوريا واليمن وفلسطين، ومحاولات لإعادة كل من العراق ولبنان إلى الدائرة العربية، ورغبة كبيرة فى وضع حد لنفوذ إيران فى المنطقة.

ناهيك عن الأزمات الداخلية التى تعانيها تركيا بسبب تدخلاتها فى سوريا والعراق وصعوبة هضم دورها فى منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يضطر حزب العدالة والتنمية الحاكم فى أنقرة لمراجعة حساباته قبل حلول موعد الانتخابات البرلمانية العام المقبل. كما أن قطر فقدت بريقها وانتهى دورها تقريبا، وأصبحت مهمومة بمأزقها المعقد مع غالبية دول الخليج وقوى دولية مؤثرة، وأدى اقترابها الكبير من إيران وتركيا إلى وضعها فى دائرة المتمردين، بما ضاعف من مشكلتها الرئيسية المتعلقة بدعم حركات إسلامية متطرفة وجماعات ترتكب أعمالا إرهابية.

الصورة على هذا المنوال تنطق بضرورة أن تتحرك مصر عمليا وتملأ فراغا اعتقدت بعض القوى الإقليمية أن الصخب والنباح والمناكفات أدوات قادرة على سده من دون أن تتكبد عناء القراءة الموضوعية الواجبة فى التعامل مع أزمات أهم سماتها السيولة الشديدة، مما جعلها مفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها احتمال خروجهم من المشهد بلا مكاسب، وربما البحث عن وسيلة تمكن هؤلاء من الخروج بلا خسائر كبيرة.

العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية التى نسجتها مصر مع قوى مهمة فى الغرب والشرق، أحد المداخل الأساسية التى تؤهلها للتمدد الإقليمي، ففى ظل النقمة الراهنة على إيران والقلق من حسابات تركيا وانتهاء دور قطر، مصر هى الدولة الوحيدة التى تستطيع أن تكون لاعبا فاعلا بشروطها لا بالقواعد التى يضعها الآخرون.

انظر إلى ما آلت إليه العلاقات بين مصر وكل من إثيوبيا والسودان، فبعد أن تصور البعض أنها دخلت نفقا مظلما، بدأت الدفة تعتدل، ولم تتكبد مصر عناء الدخول فى مواجهة مفتعلة حاولت جهات كثيرة جرها إليها، مما أزاح غمة سياسية وفتح بابا لزيادة وتيرة النفوذ على المستوى الإفريقي.

الحرص الزائد من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسى على استقلال القرار المصرى وعدم وضعه رهينة لأى دولة مهما تعاظم وزنها، من النقاط المفصلية فى التحركات المصرية المقبلة، فالبناء السياسى والعسكرى والاقتصادى تم، ولا يزال، وفقا لمنظومة محكمة تبعده عن الابتزاز مستقبلا، وجرى تلاشى أخطاء رؤساء سابقين راهنوا على هذه الدولة أو تلك.

ميزة أخرى مهمة بدأت تظهر تجلياتها مع الزيارة التاريخية التى قام بها الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى لمصر قبل أيام، تكمن فى توثيق أواصر العلاقة بين بلدين كبيرين، أغلقت جانبا كبيرا من الحساسيات السابقة وما أفضت إليه من خلافات، بعضها معلن وغالبيتها كان مستترا.

الزيارة يمكن القول إنها فتحت أفقا واسعا للتنسيق والتعاون تستفيد منه الدولتان وتصب نتيجته النهائية فى تحجيم نفوذ القوى المناهضة والراغبة فى دس أنفها فى المنطقة والسيطرة على مقدرات شعوبها وتخريب أمنها واستقرارها، لذلك فتوثيق عرى التحالف الإستراتيجى بين مصر والسعودية يسهم فى حماية المصالح العربية. كل دولة تملك مقومات فى مجال معين، تساعد فى قطع الطريق على من استفادوا من غياب التنسيق العربي، وتصوروا أنهم تمكنوا من وضع أقدامهم فى كثير من الدول العربية، والفرصة مهيأة أمام القاهرة والرياض ليكون التعاون مجديا فى أزمات مثل سوريا واليمن والعراق ومواجهة إيران وتركيا.

الموقف القوى للبلدين، ومعهما الإمارات والبحرين، فى مواجهة قطر، يصلح ليكون نموذجا لمزيد من التنسيق فى أزمات أخري، فقد رفضت الدول الأربع كل محاولات التفتيت وتمسكت برؤية واحدة فى التعامل مع الدوحة ولم تتغير منذ اندلاع الأزمة معها فى يونيو الماضي.

لدى مصر إمكانات كبيرة لتمد بصرها بقوة نحو مزيد من النشاط الإقليمى وعدم اقتصاره على الدوائر القريبة، لأن الأزمات الحالية حلقاتها معقدة ومتشابكة، قد تبدو روافدها ظاهرة فى مكان، ومقدماتها فى مكان آخر، وذيولها فى ثالث، ومن يحركونها يقبعون فى مكان رابع وهكذا.

الكلام عن أن الوقت أصبح مناسبا لتوسيع مناطق النفوذ ليس حديثا عاطفيا يدغدغ المشاعر أو يدفع نحو مغامرة مجهولة، هو حديث تدعمه معطيات إقليمية ودولية كثيرة، ويتناسب مع الطموحات الرامية إلى حماية الدولة المصرية، وتحاشى تكرار تدخلات قامت بها جهات كادت تكلفنا خسائر مضنية.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف