لماذا يكون المطلوب دائما محاسبة الأموات والتماس ألف عذر للأحياء حتي يفلتوا من المحاسبة والعقاب ؟
لماذا توجه سهام النقد بحق وبغير حق إلي المسئولين بعد أن يغادروا مناصبهم بعد أن نكون قد أمطرناهم بقصائد المديح والنفاق عندما كانوا في مواقع المسئولية؟
هذا السلوك ـ كما نعرف ـ بعيد تماما عن الشجاعة والشهامة . وتلك آفة نتمني أن نتخلص منها . حتي تكون لدينا الشجاعة أن ننتقد المسئول وهو في منصبه . وحتي تكون لدينا الشهامة التي ندافع بها عنه عندما يترك المنصب ويتحلل من المسئولية .
أقول ذلك بمناسبة حديث السيد وزير النقل الدكتور هشام عرفات أمام مجلس النواب في أعقاب حادثتي السكة الحديد في البحيرة والمناشي حيث فاجأنا بقوله إن منظومة السكة الحديد لم تتطور منذ 60 عاما . وأن "لدينا نحو 900 عربة مطورة وهي ليست مطورة ولا حاجة . كل اللي كان بيحصل بيغيروا الحديد والبلاط بتاع العربية لأن هذه هي الامكانيات . وهناك مشكلة الصيانة فلدينا جرارات منذ عام 1970 تعمل حتي الآن علي الخطوط الطوالي رغم أن الجرار في كل العالم يعمل 12 سنة ثم يخضع لصيانة كاملة ويعود للعمل 12 سنة أخري ثم يتوقف".
وهكذا أحال السيد الوزير مسئولية كوارث السكة الحديد إلي المسئولين السابقين والمسئولات . الأحياء منهم والأموات . الذين صدعونا مرارا وتكرارا بتصريحاتهم عن التطوير الشامل للسكة الحديد . وتأكيدهم عقب كل كارثة أنهم أعدوا الخطط والميزانيات اللازمة للتطوير . وأرشيف الصحف حافل بهذه التصريحات التي لايمحوها الزمن . لكن المشكلة أننا لانستطيع محاسبة الأموات علي ماقالوه وما كذبوا فيه . ولا علي ما فعلوه وما قصروا فيه . الدستور لم ينص علي محاسبة الأموات بأثر رجعي . وإنما نص كثيرا علي محاسبة المسئولين وهم في مناصبهم . والمحاسبة تبدأ بالمساءلة البرلمانية . فهل حاسب برلماننا السيد الوزير ومن معه بالجدية الواجبة .
الحقيقة أن البرلمان اكتفي بالكلام الجميل الذي قاله الوزير حين قال : "أؤكد لكم أنني المسئول ولو مقصر في حاجة قلولي . عندنا خطة لتحويل كل قطارات السكة الحديد إلي قطارات vip بدرجات مختلفة وتصل الاسكندرية في ساعتين . فضلا عن إصلاح 100 جرار تسلمتها مصر عام 2008".
حسنا .. كان ينبغي علي البرلمان أن يسأل السيد الوزير عن الكيفية التي تتم بها مساءلته عن هذا التصريح المتفائل الجميل . ماذا لو لم يتحقق وانضم إلي تصريحات وتعهدات المسئولين السابقين التي نحتفظ بها للذكري فقط في أرشيف الصحف؟
ثم .. ماذا عن الـ 100 جرار التي يجري أو سيجري إصلاحها وهي لم تكمل 10 سنوات وليس 12 سنة . هل هذه صفقة الجرارات الأمريكية المعطوبة التي ثار جدل هائل بسببها عند تسلمها . ومن المسئول عنها . وكيف يحاسبه الشعب علي إهدار أمواله العامة؟
ياسيادة الوزير أنت المسئول الآن عن انعدام الصيانة في السكة الحديد . وأنت المسئول عن انعدام المراقبة والمتابعة لعمال المزلقانات والتحويلات التي كانت تعمل بكفاءة 100% قبل 60 عاما وكانت تعتمد بالكامل علي العنصر البشري .
السكة الحديد تحتاج أموالا نعم . لكنها تحتاج قبل الأموال ومع الأموال نظاما صارما للتشغيل والصيانة والمتابعة والتزام الجودة يضمن أن يذهب كل مليم في الميزانية إلي تجديد وتطوير العربات والجرارات وليس تجديد وتطوير المكاتب .