الوطن
د. محمود خليل
نخبة فى محنة (1)
أقصد على وجه التحديد النخبة الإعلامية، وما ينطبق على هذه النخبة فيما سأتناوله ينسحب -بصورة أو بأخرى- على غيرها من النخب. لا خلاف على أن النخبة الإعلامية تعانى هذه الأيام من محنة حقيقية، تتجلى أبرز مظاهرها فى ضعف إقبال الجمهور على بضاعتها، وتوتر علاقتها بأصحاب المشروعات الإعلامية، وسيطرة شعور على العديد من كبارها وصغارها بالخوف من الإطاحة بهم من مواقعهم فى أى وقت، بما يرتبط بذلك من شعور بالتهديد الاقتصادى والخوف على المستقبل. قبل تناول الأسباب التى أدت بأفراد النخبة الإعلامية إلى الدخول فى أتون المحنة، دعنا نفصل القول بعض الشىء فى المظاهر المعبرة عنها.

المظهر الأول للمحنة يتحدد فى ضعف إقبال الجمهور على البضاعة التى يقدمها الإعلاميون. السلعة المتداولة فى سوق الإعلام أصابها نفس الركود الذى ضرب العديد من الأسواق الأخرى. أثناء وعقب أحداث يناير 2011 انتعش الطلب الجماهيرى على ما يقدمه الإعلام بصورة غير مسبوقة. بدا الأمر طبيعياً، ففى ظل الأزمات الكبرى وترسّخ إحساس بالغموض لدى الجمهور حول المستقبل ينتعش الطلب على المعلومات التى تسهم فى فض الغموض وتخفيف حالة التوتر التى يعانى منها الناس. ماء كثير جرى فى نهر الحياة فى مصر بعد هذا التاريخ، فقد تعرض المجتمع لحالة استقطاب غير مسبوقة أسهم فيها الإعلام أدت إلى خروج قطاع لا بأس به من الجمهور من دائرة المتابعة والتلقى إلى دائرة الانسحاب والبحث عن بديل آخر لا يقدم إعلاماً قدر ما يقدم دعاية نقيضة.

وفى ظل حرب الدولة المصرية على الإرهاب ومعارك التنمية والمشروعات الكبرى أوغل الإعلام والإعلاميون فى الاعتماد على الترويج الإنشائى لجهود الدولة، وليس على الترويج بالمعلومة والتحليل والتفسير المقنع، الذى يدفع الجمهور إلى المشاركة، فتعقدت أوضاعه أكثر وأكثر، وأصبح الجمهور لا يجد للإعلام قيمة معلوماتية تذكر، فانصرف البعض إلى مواقع التواصل التى تختلط فيها الحقائق بالأكاذيب والوقائع بالأوهام، ومال آخرون إلى البحث عن التسلية على نوافذ لا تشارك النخبة الإعلامية المصرية فى صناعة مضمونها، لأن الإعلام المصرى للأسف لم يتمكن خلال السنوات الأخيرة التى اهتم فيها بالتسلية من تقديم بضاعة قادرة على منافسة المنتج اللبنانى الرائج فى سوق التسلية والترفيه.

الفجوة التى تتسع بين الإعلام والجمهور استهلكت الجزء الأكبر من التحليل، لأنها الأكثر تعبيراً عن أزمة النخبة الإعلامية، وظنى أن المظاهر الأخرى تأتى كنتيجة لها، فتوتر العلاقة بين الإعلاميين وأصحاب المشروعات سببها الخسائر المالية الفادحة التى منيت بها، وهى الخسائر التى كان يتم تقبلها فيما سبق فى ظل مكاسب أخرى سياسية كان يحققها أصحاب المشروعات أصبحت الآن معدومة القيمة، فى ظل حالة الركود التى ضربت سوق السياسة وأضعفت تأثيره. توتر العلاقة بين الطرفين أدى إلى الإطاحة ببعض الإعلاميين فى ظل ظروف وأسباب مختلفة، وأدخل كثيرين فى دوائر القلق على المستقبل، خصوصاً المستقبل الاقتصادى، واشتد قلق آخرين من الدخول فى ابتلاءات أشد. الجمهور يتابع فصول المحنة دون اكتراث، وأنّى له أن يكترث بمهنة لم يدافع عنها أصحابها؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف