المصريون
د. محمود يوسف بكير
ميزانية ترامب جريمة ضد الإنسانية
الميزانية الفيدرالية لعام 2018 التي تقدم بها الرئيس ترامب إلى الكونجرس الأمريكي مؤخرا تحت شعار "فلنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" تضمنت تعديلات ومقترحات لا يمكن أن تصدر إلا عن إنسان ذو نزعات شيطانية ولا يتمتع بأي خصال إنسانية ولا تحكم تصرفاته إلا المصلحة الشخصية.

نحن بالطبع غير معنيين بما تضمنته مقترحات ترامب من آثار سلبية كثيرة على برامج الرفاهة الاجتماعية في أمريكا ذاتها لإن هذا شأن داخلي محض، ولكننا معنيين بما سيكون لهذه المقترحات من آثار سيئة علي العرب وعلى الدول النامية لما تمثله أمريكا من ثقل في الاقتصاد العالمي. وإليكم بعض الأمثلة:

1) قامت ادارة ترامب بتخفيض مساهمتها في الكثير من البرامج الإنسانية التي تقوم بها الأمم المتحدة حيث خفضت حصتها في مصاريف قوات حفظ السلام الدولية بنسبة 20% وخفضت حصتها في منظمة الصحة العالمية بنسبة 50%، وبنفس النسبة في منظمة الغذاء والزراعة.

2) كما قامت أمريكا ترامب بالتوقف عن تقديم أي دعم لوكالات التنمية الاقتصادية، وحقوق المرأة، والبيئة. وقامت أيضا بالانسحاب من منظمة اليونسكو وبروتوكول باريس لحماية الأرض من الانبعاثات الحرارية المتزايدة بدعوى أنه لا يوجد أي شيء من هذا وأن أمريكا أهم من كوكب الأرض!

3) يقترح ترامب تخفيضات تصل إلى 30 % دفعة واحدة بمجموع 30 بليون دولار في ميزانية الخارجية الأمريكية المعنية بالدبلوماسية والمساعدات الخارجية. وحاليا لا يوجد سفراء لأمريكا في عدد كبير من الدول منها مصر .

4) يقترح زيادة مخصصات الدفاع بنسبة 14% بمجموع يصل الى حوالي 600 بليون دولار.

وما سبق يعنى أن إدارة ترامب سوف تعطي أولوية لحل النزاعات الدولية بشكل عسكري بدلا من الاعتماد على القنوات الدبلوماسية. ولا يعني هذا أن الولايات المتحدة ستكون طرفا مباشرا في كل النزاعات الدولية ولكنها في ظل قيادة ترامب ستكون بالضرورة محرضا وداعما لحل هذه النزاعات بشكل عسكري بين الدول ذات العلاقة لتحقيق مكاسب اقتصادية أمريكية من خلال بيع الأسلحة لأطراف النزاع.

كما تقترح الحكومة الأمريكية تخفيض المساعدات الأمريكية للاجئين الفلسطينيين بسبب احتجاج حكومة الرئيس عباس على إعلان نقل سفارة أمريكا للقدس. كما تتجاهل مآسي وعذابات السوريين في الداخل الذين يتعرضون في الغوطة الشرقية لقصف جوي وحشي وبشكل يومي من قبل نظام الأسد والروس دون أن يبالي ترامب ونظامه بضحايا هذا القصف وأغلبهم من الاطفال والنساء الذين لا حول لهم ولا قوة.

ومن الأمثلة الأخرى على الساحة الدولية نرى أن ترامب قد انزعج كثيرا من مبادرة نظام كوريا الشمالية للتقارب مع كوريا الجنوبية خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي انتهت منذ أسابيع. وتجنبا لان تنجح الشمالية في مسعاها للتصالح مع جارتها الجنوبية، قامت إدارة ترامب بفرض عقوبات صارمة جديدة على كوريا الشمالية ورفضت عرضا بالاجتماع بين المسؤولين في البلدين حتى تظل أزمة كوريا مشتعلة.

كما أن ترامب لم يعر المذابح وعمليات التهجير والاغتصاب الوحشي التي يقوم بها جيش ميانمار "بورما" بحق قبائل الروهينجا أدنى اهتمام في موقف مناقض تماما لما فعله سلفه الرئيس كلينتون أيام عدوان صربيا على مسلمي البوسنة.

وكان اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل بمثابة إعلان صريح بانتهاء الدور الاخلاقي للولايات المتحدة وأن سياسة أمريكا أولا أهم من كل المبادئ والقيم الإنسانية.

والأسوأ من كل ما سبق هو ان ترامب لم يكتفي بكل ما فعله من جرائم ضد البشرية بل إنه يدعم بكل قوة الانظمة الاستبدادية في انحاء كثيرة من العالم حتى تضمن أمريكا السيطرة على الشعوب من الداخل بما يضمن مصالحها ومصلحة اسرائيل.

ولعلي أختم بنادرة من نوادر ترامب، حيث كان يمتلك شركة في نيويورك لتعليم فنون الإدارة بالفهلوة والكسب السريع أطلق عليها اسم جامعة ترامب. ولكن كل من ذهب إليها اكتشف أنها جامعة للنصب والاحتيال. وعندما فاز ترامب بمعركة الرئاسة بدأ ضحايا جامعته في رفع دعاوى قضائية ضده فقام بسرعة بإغلاق هذه الجامعة وتعويض ضحاياه بسخاء حتى يسحبوا قضاياهم ضده.

د. محمود يوسف بكير

مستشار اقتصادي مصري

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف