المصريون
جمال سلطان
ملف حقوق الإنسان الحائر في مصر
أرسلت السلطات المصرية قبل أيام المستشار عمر مروان، وزير شؤون مجلس النواب، إلى سويسرا ، على راس وفد رسمي رفيع وكبير ، حيث سلم مساء أمس الخميس، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، زيد رعد الحسين ، تقرير نصف المدة «الطوعي» عن حالة حقوق الإنسان في مصر.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية أن التقرير الذي حمله الوزير المصري يستعرض ما تحقق على أرض الواقع في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاستحقاقات الدستورية التي تم تنفيذها في هذا المجال، وإنشاء الهيئات الرقابية المستقلة في إطار الجهود المبذولة لمكافحة الفساد.
والحقيقة أني أستغرب من ازدواجية السلوك الرسمي المصري وحيرته تجاه ملف حقوق الإنسان ، فإذا نظرت إلى جانب من التصريحات الرسمية ، ستجد هناك احتقارا للحديث الغربي عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر ، وتأكيدا على أن معيار الحقوق يختلف من بلد لآخر ، وأن حقوق الإنسان في الغرب ليس بالضروة أن تكون هي في الشرق ، وهناك أيضا خطاب استخفاف بالغ بتلك المسألة ، من المؤسسات التشريعية والتنفيذية كافة ، إلى حد السخرية من هذا الملف ، ووصلت الكوميديا إلى أن البرلمان المصري قرر تشكيل لجنة لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة ، ردا على اتهامات واشنطن للسلطات المصرية بإهدار حقوق الإنسان ، ويتم النظر في هذا الجانب على أن أي نقد لملف مصر في حقوق الإنسان هو مؤامرة دولية لتشويه صورة النظام .
إذا نظرت من جانب آخر ، ستجد أن هذا الملف يلقى اهتماما بالغا من السلطات المصرية ، وقد سافر وزير الخارجية سامح شكري الأسبوع الماضي لكي يعرض ملف مصر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، وقال أمام ممثلي دول العالك أننا نفعل ونحاول ونحسن ونقدم ونلتزم ، إلى آخر الكلام الذي لم يقنع أحدا هناك بطبيعة الحال لأن رائحة ما يحدث في الداخل يصعب إخفاؤها ، ولكن الشاهد أنه سافر من أجل أن يدافع عن ملف مصر في حقوق الإنسان ، ولم يدر له ظهره ، ثم سافر وزير آخر اليوم بعد أقل من أسبوعين على رأس وفد كبير ، وتتكلف الخزينة المصرية "الفقيرة" تكاليف السفر والإقامة والتنقلات والبدلات والمكافآت والذي منه ، من أجل أن يسلم الأمير زيد الحسين ما وصفه بأنه ملف مصر في حقوق الإنسان ، فالحيرة هنا تأخذك بعيدا ، هل أنتم مهتمون فعلا بصورتكم أمام الخارج ، وهل أنتم منزعجون فعلا ، وهل أنتم جادون في معالجة المشكلة ، أم أنكم أدرتم ظهركم لها وتحتقرون أي حديث عنها ، وتعتبرونه تحرشا بمصر وتآمرا عليها ينبغي أن يجابه بالغضب وليس بالدفاع .
في الأسبوع الذي سافر فيه وزير الخارجية ثم وزير شئون مجلس النواب ، من أجل إطلاع العالم والأمم المتحدة على ما تحقق من تطور وإيجابيات في ملف حقوق الإنسان ، كانت مصر قد شهدت توقيف إعلامي كبير ووضعه في الحبس وقرار مد حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق قبل إخلاء سبيله ، وهو إعلامي موالي للسلطة قلبا وقالبا ، ولكن لأنه قال كلاما لم يرق للبعض أو فسر على محمل سلبي ، وأيضا قامت السلطات بالقبض على مؤلف ومخرج مسرحية فنية اجتماعية تاريخية ومعهم ممثلون في المسرحية وبعض أعضاء النادي الاجتماعي الشهير الذي عرضت فيه المسرحية وأحالتهم إلى المحاكم العسكرية بتهمة إهانة الجيش ، وأيضا القبض على عدد من مشجعي النادي الأشهر لكرة القدم لأنهم هتفوا في الاستاد أثناء إحدى المباريات من أجل الحرية ونددوا ببعض سلوكيات السلطة معهم من وجهة نظرهم ، وكذلك القبض على صحفية شابة ومعها صحفي آخر وحبسهم على ذمة التحقيق لأن الشرطة ضبطتهم يجرون تحقيقا مصورا عن أحوال مترو الاسكندرية واتهامهم بالانتماء إلى حركة 6 أبريل ، وايضا إلقاء القبض على أستاذ جامعي يساري وقيادي ناصري آخر من كبار السن ـ أحدهم تجاوز السبعين عاما ـ وحبسهم على ذمة التحقيق بانتمائهم لتنظيم إرهابي .
هذا ما حدث فقط خلال الأسبوع الذي سافر فيه الوفدان بقيادة الوزيرين ، لعرض ملف مصر أمام العالم في حقوق الإنسان ، ودع عنك الملف القديم المترع بالوقائع على امتداد السنوات الخمس الماضية ، بآلاف المحبوسين وأحكام الإعدام الواسعة وتجريم أي تظاهر معارض في الشوارع أو الميادين وحجب أكثر من خمسمائة موقع صحفي إخباري مصري وعربي وأوربي داخل مصر .
هل أنتم جادون فعلا في تحسين صورة الدولة أمام الخارج في هذا الملف ، أم أن الأمر على سبيل التسالي و"سبوبة" سفر لبعض المسئولين ، هل أنتم جادون فعلا في فتح نقاش برلماني عن أوضاع حقوق الإنسان في أمريكا أم أنها كانت نكتة بنت ساعتها وتم نسيانها ، هل أنتم جادون عندما تحملون ملفا يتحدث عن إنشاء وتعزيز الجهات الرقابية المستقلة ، بينما أشهر رئيس مجلس رقابي لاحق الفساد يقبع في السجن الآن ، أرجو أن يكون هناك اختيار لوجهة واحدة ، على الأقل توفيرا للمال العام من بعثرته على رحلات خارجية أولى بها مستشفيات بلا أسرة ولا مستلزمات جراحة ، ومدارس بلا مقاعد للتلاميذ ، وآلاف القرى بلا مياه شرب ولا صرف صحي .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف