الوطن
د. محمود خليل
نخبة فى محنة (2)
بصراحة ودون مواربة النخبة الإعلامية الحالية فى أغلبها تنتسب إلى «عصر مبارك»، فقد صنعها نظام «مبارك» على عينه واختار لها الأدوار التى احترفت لعبها، فمنهم من تحدّد دوره فى التأييد، ومنهم من تبلورت مهمته فى المعارضة. تمكن «مبارك» من جعل «المعارضة» وظيفة، وليست قناعة، سواء على مستوى السياسة أو الإعلام. ورث نظام 30 يونيو النخبة الإعلامية «المباركية»، كما ورث الكثير من معطيات هذا العصر. وتقديرى أن الخطأ الجوهرى الذى وقعت فيه النخبة الإعلامية الحالية أنها ظنت أن النظام الحالى يمثل محاولة لإعادة إنتاج عصر «مبارك»، وبالتالى تصوروا أن أدوارهم التى دأبوا على لعبها ومواقعهم التى اعتادوا شغلها سوف تظل قائمة كما هى. وتقديرى أن ذلك هو الخطأ الحاسم الذى وقعت فيه تلك النخبة وسر أساسى من أسرار محنتها الحالية، لأن نظام 30 يونيو يبدأ رحلة ثورة 1952 من أول سطر فيها، وليس من منتهاها!.

نظام 30 يونيو شأنه شأن نظام 23 يوليو 1952، بدأ رحلته بالبحث عن نخبته الإعلامية الخاصة، وهو يعدّها ويشكلها على عينه. وأظن أن أفراد النخبة الإعلامية الحالية يلاحظون ما يلاحظه الجميع، ويفهمون أن بحث أى نظام عن أدوات إعلامية يعنى بالتوازى البحث عن كوادر إعلامية خاصة به، ربما استعان -بشكل مرحلى- ببعض الوجوه القديمة، لكنه لا يتوقف بحال عن تشكيل نخبته المعبرة عنه. جمال عبدالناصر فعل ذلك، فسارع منذ عام 1954 إلى تصفية الأدوات الإعلامية القديمة، بمن يصطف فيها من كوادر وأفراد، معبّرين عن النخبة الإعلامية التى سيطرت على المشهد قبل الثورة. لعب «ناصر» اللعبة بقدر كبير من الأناة والروية وعلى مراحل، حتى تمكن من توجيه ضربته الكبرى عام 1960 عندما صدر قانون تنظيم الصحافة، حينها بدأت النخبة الجديدة فى الظهور وترسيخ أقدامها، وعزّزت تمكنها بمرور الوقت. وعندما توفى «عبدالناصر» عام 1970 كانت النخبة الإعلامية الناصرية قد استوت على سوقها فى كل المواقع. وقد شكلت فى ما بعد صداعاً فى رأس الرئيس السادات، إذ كانت النسبة الأكبر منها ترى فى الرئيس الجديد تعبيراً عن الثورة المضادة للتحولات التى أحدثها «عبدالناصر» فى المجتمع، وكان يرى فيها «السادات» واحدة من العقبات الكبرى التى تحول دون مشروعه.

وجود نظام حكم جديد يعنى ببساطة البحث عن نخبة إعلامية جديدة، خصوصاً إذا كنا بصدد نظام له مشروعه الخاص، ويخطط للاستمرار لفترة زمنية طويلة. الكثير من أفراد النخبة الإعلامية الحالية نظروا إلى جانب واحد من الصورة وهم يقيّمون أدوارهم ومواقعهم بعد 30 يونيو 2013. فقد ركزوا نظرهم وتفكيرهم على الدور الذى لعبوه فى التخلص من نظام حكم الإخوان، ورأوا أن من الطبيعى أن تتعاظم أدوارهم مع النظام الجديد، ونسوا أمرين فى منتهى الأهمية، أولهما أن هذا النظام أعلن صراحة أنه ليس مديناً لأحد، ولا توجد لديه فواتير مستحقة لطرف أو لآخر، وثانيهما اختفاء الكثير من الأسماء الكبرى اللامعة التى كانت تتصدّر المشهد الإعلامى (القومى) خلال فترة حكم «مبارك»، وأن الدور قد يأتى عليهم. دروس التاريخ تقول إن كل عصر وله أذان.. وكل نظام وله رجال!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف