قديماً قالوا "غلطة الشاطر بعشرة". وإذا كان هذا الشاطر إعلامياً يراه الملايين عبر الشاشات. ويؤثر ما يقوله في الرأي العام. مع وجود فرصة لالتقاط أعداء مصر ما يصدر عنه وتأويله واستغلاله ضد مصلحة الوطن. وعندما يكون ما قاله منطلقاً من قناة تليفزيونية تابعة للإعلام الرسمي للدولة فإن هذه الغلطة تصبح بمليون.
الكل تابع الأزمة التي كان بطلها الإعلامي خيري رمضان عندما أهان -سواء بقصد أو بدون قصد- ضباط الشرطة ممثلين -كما قال هو- في زوجة أحد ضباط الشرطة التي اشتكت من قلة دخل زوجها وعدم قدرتها علي المعيشة أو دفع مصاريف المدارس لأبنائهما. وتابعنا ما انتهت إليه القضية حتي الآن.
الإعلامي خيري رمضان حتي وإن كان حسن القصد فإنه بوصفه إعلامياً ويعلم تماماً خطورة ما يقول علي الأمن القومي فإنه كان الأجدر به أخذ رد أحد المسئولين بوزارة الداخلية أثناء الحلقة الأزمة. وذلك استكمالاً لشروط إجراء أي تحقيق صحفي أو تليفزيوني وهو أخذ آراء كل أطراف الموضوع. أو إحالة القضية برمتها إلي الجهة المختصة بالوزارة للتحقيق فيها دون عرضها علي الرأي العام بالشكل الذي ظهرت به. وأعتقد أن الإعلامي خيري رمضان صحفي كبير وله من الخبرات ما كان يعفيه من الوقوع في هذه "الغلطة".
لم أكن أنوي الحديث في هذا الموضوع إلا أن ما صدر عن بعض الإعلاميين زملاء خيري رمضان استفزني وأعتقد أنه استفز كل مصري غيور علي وطنه. ومن ذلك ما قالته الإعلامية لميس الحديدي.
قالت السيدة لميس ما قالت تعليقاً علي الأزمة عقب إخلاء سبيل خيري رمضان بكفالة عشرة آلاف جنيه في بداية المشكلة. ولكن أخطر ما قالته كان موجهاً لوزارة الداخلية تحديداً عندما قالت بالحرف الواحد "فكرة إحنا هنعمل اللي احنا عاوزينه مش هتمشي.. بلاااااش كده.. خلونا نفضل في خندق واحد.. خلونا نفضل في خندق واحد.. لأننا فعلاً في خندق واحد.. خلونا سوا".
لا أستطيع تفسير ذلك إلا في سياق التهديد الصريح والمباشر لوزارة الداخلية بأنها -أي الوزارة- لو اتبعت الأسلوب الذي اتبعته مع خيري رمضان - وهو بالمناسبة أسلوب وطريقة شرعية بتقديم بلاغ للسيد النائب العام وتم التحقيق فيه ـ مع بقية الإعلاميين فإن معني ذلك أن السادة الإعلاميين سوف ينقلبون إلي الخندق الآخر. وكلنا يعرف ما هو الخندق الآخر. وهذا بالفعل ما أعلنه إعلامي آخر عندما قال إن الإعلاميين كانوا ينوون اتخاذ موقف موحد فيما يخص هذه الأزمة. ولست أدري ما هو هذا الموقف الذي كان يمكن أن يتخذوه؟ هل هو الاحتجاب؟.. ليتهم فعلوا.
أنا هنا لا أقصد الوقيعة بين الإعلاميين وأي جهاز سيادي أو غير سيادي بالدولة. ولكن هناك من الإعلاميين -ومنهم السيدة لميس الحديدي- يرون أنفسهم أكبر من الدولة. ويريدون فرض آرائهم علي أجهزة الدولة. حتي لو كانت هذه الآراء غير واقعية وغير منطقية وغير قابلة للتطبيق. وذلك اعتماداً علي أن الإعلاميين لديهم سلاح قوي وهو التأثير في الرأي العام. وأن بإمكانهم تأليب الرأي العام ضد أي جهاز لا ينساق لآراء هذا الإعلامي أو ذاك.
هذا ليس وليد أزمة خيري رمضان. ولكن المتابع لما تقوله السيدة لميس الحديدي قبل الخامس والعشرين من يناير وحتي الآن وطريقة تعاملها مع الوزراء والمحافظين ومسئولي الدولة يتأكد من ذلك.
أزمة خيري رمضان أخذت طريقها القانوني. لأنه لا أحد فوق القانون حتي ولو كان حسن القصد علي الرغم من أنني أعتبر خيري رمضان من الإعلاميين المحترمين والمهنيين. ولكن أزمة مصر الحقيقية في بعض إعلامييها الذين مازالوا لا يستوعبون أن مصر تخوض حرباً شرسة ضد أعداء كثيرين علي كل الجبهات. وهو ما يستوجب إعلان حالة الطوارئ والاستنفار القصوي في كل أجهزة الإعلام.سواء أكانت تابعة للدولة أو إعلاماً خاصاً. ولا مجال للمنظرة والاستظراف من بعض الإعلاميين الذين هم أجهل ما يكون بمفهوم الأمن القومي للبلاد في هذا التوقيت الحرج من تاريخ مصر.