بسيونى الحلوانى
أفضل ما نحتاجه في الشهر الكريم
كل عام وأنتم بخير.. أقبل علينا رمضان - شهر البر والرحمة والمغفرة - أقبل بنفحاته الإيمانية وعلينا أن ننتهز الفرصة لنراجع أنفسنا ونصحح مسيرتنا ونعود إلي خالقنا. ونوثق علاقاتنا الأسرية والاجتماعية. ونشيع قيم الرحمة والعفو والتسامح فيما بيننا.
ديننا العظيم يحثنا دائما علي نشر فضيلة البر والإحسان بين الآباء والأبناء والأهل والأقارب.. وإذا كانت هذه الفضيلة واجبة في كل وقت. إلا أن أجرها وثوابها يتضاعف ويتعاظم في شهر رمضان. الذي بشرنا رسولنا الكريم فيه بغفران الذنوب. ومحو الآثام. والتخلص من رواسب المعاصي. وكل ما هو مطلوب منا أن نخلص النية لخالقنا. وأن نلتزم بفضائل الأخلاق. وأن نتقرب إلي الله بكل العبادات والطاعات.
في هذا الشهر الكريم يجب أن تصفي نفوسنا. ونتخلص من كل مشاعر الحقد والحسد والكراهية لتحل محلها مشاعر الألفة والمودة والرحمة. وأن تتجسد في سلوكنا مع جيراننا وزملائنا وأهلنا وأقاربنا قيم التسامح والعفو والرحمة فنحن نعيش في رحاب شهر عظيم أخبرنا رسولنا الكريم - صلي الله عليه وسلم - بأن "أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار".
***
علينا أن ندرك أن الصوم المقبول الذي يحصد المسلم منه مكاسب ومنافع عديدة. ليس مجرد حرمان من الطعام والشراب والعلاقات الحلال بين الأزواج والزوجات. لكنه صوم الجوارح عن كل ما يغضب الله عز وجل. وحرص علي التقرب إلي الخالق بكل عمل طيب يعود نفعه علي الآخرين. لذلك نبهنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إلي ضرورة أن يصاحب الصوم عن المفطرات سمو أخلاقي ورقي سلوكي فقال في الحديث الصحيح: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ويدك". وعندما يفعل الإنسان ذلك يكون صومه مقبولا. ويتكفل الله - سبحانه وتعالي - بالجزاء الوفير عليه كما بشرنا رسولنا الكريم بقوله "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
نحن مطالبون شرعا بأن نحافظ علي أمانة الصوم. فالصيام أمانة يجب أن نؤديها علي أكمل وجه. وأن نصون صيامنا من كل ما يبطله أو ينتقص من ثوابه. وأن نتحاشي قول الزور والعمل به. وأن نتخلي عن الرذائل. ونتحلي بالفضائل حتي يثمر صيامنا ما نرجوه في الشهر الكريم.
يجب أن تكون هذه الأيام المباركة فرصة لإنهاء خلافاتنا ونزاعاتنا مع أهلنا وجيراننا بحيث يعم التسامح وتنشر الرحمة والمودة بين المسلمين في هذه الأيام الطيبة. لنخرج من رمضان بمكاسب روحية وأخلاقية واجتماعية وصحية. فتحقق فريضة الصوم وما يصاحبها من عبادات وطاعات وأخلاقيات كريمة أكبر قدر من المكاسب في حياتنا.
رمضان فرصة لمحاسبة النفس ووقف عدوانها وظلمها للآخرين. وأول ما ينبغي أن نتوب عنه في رمضان رذيلة العقوق الأسري والاجتماعي. حيث تتسامي النفوس عن الخلافات والصراعات والمطامع والشهوات لنتخلص من كل ما يغضب الله ويغضب الناس. ونبدأ صفحة جديدة من الصفاء النفسي. فالجفوة والقسوة التي أصابت نفوس الكثيرين منا أفسدت العلاقات الإنسانية والاجتماعية. وزرعت الكراهية والبغضاء بين الكثيرين. وعلينا أن نتخلص من كل ذلك في هذا الشهر الفضيل ليكون السلوك الإنساني الراقي أسلوب حياة دائماً لنا طوال أيام وليالي رمضان وما بعد رمضان.
وأخلاقيات رمضان ترتقي بنا إلي هداية السماء. خاصة في التعامل مع الأهل والأقارب. فالمسلم مأمور بصلة الرحم. والمسلمون الآن قد تقطعت أوصال علاقاتهم الاجتماعية بسبب ما أصاب نفوسهم من قسوة وضعف إيمان وعليهم أن يصححوا ذلك كله في هذه الأيام المباركة. فالله عز وجل قد أوضح لنا فضائل صلة الرحم ورسول الله صلوات الله وسلامه عليه أفاض في الحديث عن هذه الفضيلة التي ينبغي أن يحرص عليها كل مسلم. ولا ينبغي أن تقسو قلوبنا ونتجاهل أوامر ربنا وتوجيهات رسولنا. وتسيطر علينا القسوة والجفوة في علاقاتنا الاجتماعية.
وهؤلاء القساة الذين يقطعون صلات أرحامهم. ويجلبون لأنفسهم كراهية الناس وحقدهم حتي أقرب الناس إليهم هم أكثر الناس مطالبة بالتوبة عن رذيلة العقوق.
***
علينا أن نتسلح بروح التسامح في علاقاتنا ومعاملاتنا وبدء صفحة جديدة من التعامل الإنساني الراقي بدءا بأيام رمضان التي تضفي علي النفس طمأنينة قد لا تتوافر في غير رمضان.. فنحن نعيش في رحاب شهر عظيم يحمل الرحمات الإلهية لكل عباده الصائمين المخلصين. ويجسد رعاية الخالق - عز وجل - لكل من يتقرب إليه بالطاعات وأعمال الخير.
واجبنا أن نحرص علي صلة رحمنا. وأن نحسن إلي أقاربنا وأهلنا حتي لو أساءوا إلينا.. ورمضان فرصة للتسامح والرحمة والعطف علي الآخرين والتواصل معهم. وإذا كان المطلوب من المسلم أن يكون متسامح مع كل خلق الله خلال هذا الشهر الكريم. فمن الأولي أن يفعل ذلك مع أهله وأقاربه وأن يصفح عمن ظلمه. ويعفو عمن أساء إليه وأن يبادر هو بفتح صفحة جديدة من العلاقات الطيبة مع كل من يتعامل معهم وخاصة أقاربه وأهله. وأن يتذكر دائما قول رسول الله - صلي الله عليه وسلم - "لا يدخل الجنة قاطع رحم". وقوله عليه الصلاة والسلام: "من سره أن يبسط الله في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه".