الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
هذا هو الإسلام
كرم الله الإنسان بالعقل وهو مناط التكليف دون سائر المخلوقات لما له من مكانة وأهمية في تطور الإنسان وتقدمه إذ أن الحياة في بدايتها كان الإنسان فيها ليس لديه من وسائل الحياة إلا حجر أو عود ويقضي حياته بين الوحوش في الغابات فتطورت تلك الحياة بعد سنين عديدة وتعلم الإنسان وتقدم واستنار حتي وصل إلي ما هو عليه الآن من تقدم ورقي وعلم مبهر.
ومازال يواصل الزحف نحو وسائل مذهلة تتمتع بها الإنسانية. كل ذلك وما سوف يصل إليه من أثر نعمة العقل الذي وهبه الله للإنسان وكرمه به.
وهذه النعمة - نعمة العقل - أعطاها الله للبشر جميعا. لمن يعبده وحده ولمن يعبده مع غيره ولمن لم يعبده أصلا دون تفريق أو تصنيف مما يومئ إلي أنه لا سيطرة لإنسان علي إنسان ولا طبقة علي طبقة ولا لأمة علي أمة. إنما تسأل كل نفس عما كسبت ويكون سؤالها أمام ربها وليس أمام أحد من البشر ولا سيطرة لنفس علي نفس حتي ولو كان الرسول - صلي الله عليه وسلم - وقد علمه القرآن في قوله تعالي "لست عليهم بمسيطر" وقال "كل نفس بما كسبت رهينة".. وهو ما لم يفهمه الكثيرون ممن يتصدون لخطاب الدين الذين يتشدقون ويمضغون كلام التوجيه المخيف. والرعب لكل من يرون فيه ما لا يتفق وعقلهم. ولا يسير علي منهجهم. متخذين مما قرءوه بلا فهم. وحفظوه بلا وعي. سندا لهم في سلوكهم. وما عليه يسيرون.
آفة الإسلام هم المسلمون الذين لم يفهموا هذا الدين حق الفهم. ولم يتجاوز ما عرفوه صوان آذانهم. فظنوا أنهم ورثورا العلم. وأصبحوا له سدنة وحراسا وأباحوا لأنفسهم معاقبة من يخالفهم. يشعلون فتنا منكرة وهوجاء يقتلون بسببها ويقتلون ناسين أو متناسين قول الحق تبارك وتعالي "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" وقوله "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" وقول الرسول - صلي الله عليه وسلم - "كل ذنب عسي الله أن يغفره. إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدا. أو الرجل يموت كافرا" وقوله - صلي الله عليه وسلم - "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن. لأكبهم الله تعالي في النار" وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام "لايزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".
أين هذه الأقوال من خطاب ديني لا يبلغ قلب الناس وعقولهم يتحدث عن الجنة والنار دون التركيز علي أمن الناس وأمانهم. ودون إلقاء الضوء علي دور الإنسان في الحياة.. في الآية الأولي وفي الحديث الأخير نري أن الاعتداء علي النفس بالقتل. أي نفس. ولم يحدد من المقتول هو حرام إذا أن اللفظ عام سواء كان مسلما أو غير مسلم فتحريم القتل والوعيد لمن يقترفه لا يقتصر علي منتم لدين معين أو لطائفة معينة إنما يشمل جميع المعتدين من أي دين أو لون كما يشمل المعتدي عليه من أي دين أو لون.
ولابد لمن يتصدي للدعوة إلي الإسلام أن يلقي الضوء جيدا علي هذا الفهم لقواعد الإسلام بدلا من أن يكون حديثه باعثا علي الإقصاء ويذكي التعصب ويدفع إلي التطرف الذي لا يعرفه الإسلام.
في حديث الرسول - صلي الله عليه وسلم - "من رأي منكم منكرا فليغيره بيده.. إلي آخر الحديث". يلجأ بعض المتصدرين للدعوة إلي تفسير ذلك بأن كل إنسان مكلف بأن يتصدي بالفعل لكل ما يظنه منكرا ليغيره. وهو ما لم يكن فهما صحيحا. إنما تغيير المنكر يكون بالطرق المشروعة والوسائل المقننة أبانها التشريع الذي أقره البرلمان واعتمدته الأمة وهو إبلاغ السلطات لاتخاذ ما يلزم إذا ما ثبت لديها صحة البلاغ وخطورة الفعل لا بيده هو وإلا عمت الفوضي وانتشر الفساد. وكان لكل فئة تغيير المنكر بقوة السلاح فيأتي قوم آخرون يعتبرون ما فعله هؤلاء منكرا فتكون مواجهة أخري. وهكذا حتي يضيع المجتمع وتشتعل الفتنة.. نحن في حاجة ملحة إلي فهم صادق بعقل واع لقواعد الإسلام في بناء الحياة وربط العبادات بالسلوك الإنساني الحضاري. وهذا ما يتعين علي مشايخنا إبرازه وتوضيحه للناس حتي يصبح الخطاب الديني بناء مشاركا في إقامة حياة آمنة مستقرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف