لم تكتف اسرائيل . ولن تكتفي. باحتلال الأراضي الفلسطينية وأجزاء من سوريا. اسرائيل مشروع استعماري استيطاني مستمر ومنتشر ومتوغل ومتمدد ليس له حدود. مشروع مدعوم بالكامل من الغرب ليظل شوكة مؤلمة وجارحة في ظهر العرب جميعا. وقد بدأ هذا المشروع باحتلال الأرض. ثم احتلال التاريخ الفلسطيني عن طريق التزوير والتزييف. ونسبة هذا التاريخ إلي الدولة العبرية. ثم محاولات احتلال التراث الفلسطيني الحضاري والفني وإلحاقه بالمشروع الصهيوني. وأخيرا محاولات احتلال الدور العربي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا. ولعب الدور البديل.
وعندما أعلن مناحم بيجين رئيس وزراء اسرائيل الأسبق في حفل توقيع اتفاق كامب دبفيد بالبيت الأبيض مع الرئيسين السادات وكارتر عام 1979 أن أجداده هم من بنوا الأهرامات لم يكن يهذي أو يطلق نكتة عابرة. وإنما كان يطبق استراتيجية راسخة وثابتة في المشروع الصهيوني لسرقة المنجز الحضاري المصري الأعظم وإلحاقه بأجداده اليهود. حتي يسلب من المصريين رصيدهم التاريخي الذي يفخرون به.
وإذا كانت إشارة بيجين الخبيثة قد ووجهت بضحكة ساخرة من السادات وكارتر وكثير من حضور حفل التوقيع الذين يعرفون جيداً الوضع الذي كان عليه اليهود أثناء فترة وجودهم بمصر إلا أنها كشفت عن حرص الصهاينة علي سرقة الرصيد المصري وتزوير التاريخ في اللحظة التي يجري فيها توقيع أول اتفاق سلام بين الطرفين.
والآن تروج آلة الدعاية الإسرائيلية أن النظام العربي لم يعد قادراً علي الاضطلاع بدوره في حفظ السلام والأمن والتوازن في المنطقة. وأن حالة الضعف والتفكك التي تعيشها الدول العربية تمنعها من القيام بأي دور إيجابي يحول دون انفراط العقد الإقليمي وتمدد الإرهاب. وبالتالي تتصور اسرائيل انها وحدها التي تمتلك القدرة علي أداء الدور. وأنها نجحت في فتح كثير من الأبواب التي كانت مغلقة في وجهها عربياً وأفريقياً وآسيوياً. ولم يعد أمامها إلا أن تعلن صراحة عن التحالفات التي استطاعت أن تدخل فيها لإنهاء العزلة التي كانت تعيشها خلال العقود الماضية.
اسرائيل الآن تلوح بأنها صارت أقرب إلي الدول العربية والإسلامية رغم أزمة القدس. وأن الحرب علي الإرهاب أعطتها الفرصة لإقامة جسور جيدة مع جيرانها. ناهيك عن الجسور التي تحاول أقامتها مع العمق الأفريقي والعمق الآسيوي. ولديها الرغبة الآن لكي تقوم بالدور الذي كانت تقوم به بعض الدول العربية.
وتتحدث تقارير عديدة عن قيام اسرائيل منذ فترة طويلة بعمل معسكرات خيرية واجتماعية لأطفال غانا والدول المحيطة بها في أفريقيا علي سبيل المثال. وتوفر لهم سبل الحياة الكريمة. بشرط الإيمان بإسرائيل والولاء لها ولعلمها وسياساتها. كما تقوم بشراء لاعبي كرة القدم الموهوبين في هذه البلاد والسماح لهم باللعب عندها. ثم تبيعهم بعد ذلك بمبالغ طائلة في أوروبا ولا يخفي أن ولاء هؤلاء ثقافيا وفكريا وتربويا واجتماعبا. بل ودينيا. يكون لإسرائيل التي اهتمت بهم وهم صغار. وهذا يفسر تصرف أحد لاعبي غانا الذي رفع علم اسرائيل بعد فوز منتخب بلاده علي التشيك بهدفين للاشئ منذ عدة سنوات . وكان هذا التصرف صدمة حقيقية تحمل دلالات واضحة ضد الدور العربي في أفريقيا.
ولا ننسي أن اسرائيل أبرمت مجموعة من العلاقات الدبلوماسية والثقافية مع دول حوض النيل. ولها تواجد مفزع ضد مصالحنا المائية هناك. وتقوم بالتغلغل السريع والمروع في وسط أدغال القارة الأفريقية. ويستقبل رئيس وزرائها هناك استقبال الفاتحين.. إسرائيل تسعي لاحتلال دورنا في كل شبر ينسحب منه العرب وتجري إليه بسرعة لتملأه. وتحاول أن تقوم بالدور الذي يجب أن نقوم به.