الأهرام
أنور عبد اللطيف
لغز القبضة القوية فى سيناء ..والضعيفة فى الملاعب!
تتزايد التصريحات «المسئولة» التى تدفع بقوة نحو تأجيل عودة الجماهير لملاعب الكرة وتحميل إدارة الأهلى مسئولية ما فعله حفنة من البلطجية فى استاد القاهرة عقب مباراة الأهلى ومونانا الجابوني.. وأتساءل: هل نرضى أن نكون دولة ضعيفة فى مواجهة عصابة بملعب كرة، ودولة قوية فى حربها الشاملة على عصابات إرهابية بسيناء وعلى مختلف الجبهات؟!

قبل الإجابة.. أقدم لك صورتين متناقضتين شاهدتهما فى ليلة واحدة، الأولى من استاد القاهرة.. السادسة مساء الثلاثاء الماضي، كان الأهلى فائزأ على مونانا فى كأس الأندية الإفريقية بأربعة أهداف بلا رد فى افتتاح ملعبه الرسمى باستاد القاهرة الدولى «بعد تجديده»، وسارت المباراة جيدة حتى الهدف الرابع اشتعلت مقاعد المدرج العلوى بهتافات ضد بعض اللاعبين والسياسيين والمسئولين، ورفعوا أعلاما صفراء وبدأوا فى إطلاق الشماريخ وإشعال النيران وألعاب نارية وكر وفر، وغطت سحابة سوداء على فرحة الفوز، وتركت كاميرات البث الحى فرحة جماهير الأهلى المتحضرة «اللى تحت» وركزت على بث صور الحريق الذى أشعله المجهولون «اللى فوق» أمام أكثر من 16 كاميرا للمراقبة، تم تدمير خمس منها مع أكثر من ألف مقعد، وشاهد العالم صورة الفوضى ووجوه غرباء على الكرة، كان عددهم لا يزيد على عشرين بلطجيا من إجمالى خمسة آلاف متفرج حضروا المباراة، استغربت ..أول مرة تحتج جماهير الفريق الفائز الذى ضمن بطولة الدورى للمرة الأربعين وفى الطريق بقوة لحصد بطولة إفريقية جديدة!

أما الصورة الثانية فكان بطلها ملعب «فريق محمد صلاح» ليفربول الذى كان منذ ثلاثين سنة طرفا فى أبشع كوارث الكرة وأشهرها فى الملاعب الأوروبية، كارثة «استاد هيسلى» فى بروكسل أثناء مباراة ليفربول فى النهائى الأوروبى مع يوفينتوس الإيطالى عام 1985، وراح ضحيتها 39 مشجعا، وعوقبت كل الأندية الإنجليزية بالحرمان من البطولات الأوروبية لمدة خمس سنوات، وفى نفس الليلة التى شهدت عندنا فضيحة الألتراس فى استاد القاهرة شهد ملعب فريق ليفربول مباراة العودة مع فريق بورتو البرتغالى الذى فشل فى إحراز أى هدف وخرج من البطولة مهزوما بمجموع المباراتين، بعد الهزيمة على ملعبه بخمسة أهداف، وفى نهاية المباراة حدثت المصافحة بين أعضاء الفريقين لدرجة لم أعرف من الفائز ومن الخاسر، التى أصبحت تتم فى ملاعب انجلترا بتلقائية بحكم دستور الروح الرياضية الجديدة الذى تعلمها الإنجليز من الكوارث، وغادرت جماهير فريق ليفربول ملعبها فى أدب وبقى لاعبو بورتو المهزومون يصفقون وتنساب الدموع من عيون كاسياس ورفاقه ليس حزنا على الخروج ولكن تعاطفا مع أكثر من عشرين ألف متفرج من عشاق بورتو الذين جاءوا خلفهم من البرتغال يشجعون وينادون على اللاعبين بالاسم بلا شماريخ ولا صورايخ ولا ألعاب نارية ولا شتائم احتجاجية، ويقترب اللاعبون من سور الملعب ويهدون فانلاتهم إلى الجماهير وعلقت إحدى الفانلات بالسور الحديدى قبل أن يلتقطها أحد المشجعين فيتعاون جيرانه فى مساعدته حتى يتدلى لالتقاط هديته الرمزية دون تدافع أو زحام أو صراع على الفانلة، واستمر هذا الفاصل من الروح الرياضية بين اللاعبين والجماهير والجهاز الفنى والإدارى لفريق بورتو المهزوم وكأنه فاز بالبطولة، والمحصلة صورة شاهدها العالم عبر شاشات البث المباشر عن دراما إنسانية تشهد بتطور اللعبة وتحضر أساليب التشجيع ودرس إنسانى عنوانه سيمفونية الوفاء العظيم للنادى بصرف النظر عن الهزيمة والفوز.

إذا كنا نرفض أن تتعامل الدولة بضعف أو بتراخ مع جماعة خارجة عن الروح الرياضية ونحرص على إعطاء العالم صورة عن مصر الآمنة الجاذبة للاستثمارات، فهناك عدة شروط أولا: أن ندرس معنى أن يوقع الرئيس قانون الرياضة فى نفس يوم توقيعه لقانون الاستثمار، وحمل القانونان رقمى 71 و72 لعام 2017، ونصت المادة الأولى من قانون الرياضة على تشجيع الاستثمار فى المنشآت الرياضية، وثانيا لابد من تطبيق القانون بلا استثناءات، وخاصة المادة 84 التى تقضى بـ (الحبس مدة لاتقل عن سنة وبغرامة تصل إلى الف جنيه وتتضاعف العقوبة لكل من تسبب فى حدوث أى شغب)، ويصاحب ذلك إجراءات صارمة فى حضور المباريات مثل إلغاء الدعوات المجانية، لأن الدعوات تنتقل من شخص إلى شخص حتى تصل مجانا لمحترفى الشغب، وطرح تذاكر المباريات بأرقام المقاعد حتى يمكن تحديد مثير الشغب من رقم المقعد المخصص له بسهولة عن طريق كاميرات المراقبة فى حالة القبض عليه، وأخيرا أتمنى أن تلغى عبارة «يفرج عنهم حرصا على مستقبلهم»، واعتبار مراقبى البوابات الإلكترونية التى دخل منها صاحب التذكرة الممغنطة شريكا فى الجريمة، ومعاملة حامل الأجسام الصلبة والصواريخ والألعاب النارية والشماريخ، بنفس معاملة حائز المخدرات أو المتاجر بها!

إذا كنا قد راهنا فى معركة الإرهاب على وعى المصريين فإن عودة الجماهير للملاعب رهان على نجاحنا فى تطبيق القانون وفرض هيبة الدولة !
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف