المصريون
جمال سلطان
كأس العالم في روسيا مهدد بالفشل
حالة غضب غير مسبوقة تستبد بالسلطات البريطانية هذه الأيام ، بعد الكشف عن محاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق "المزدوج" سيرجي سيكريبال وابنته ، باستخدام غاز أعصاب مميت عقب خروجه من أحد مراكز التسوق في مدينة ساليزبيري ، والجاسوس المغدور كان عقيدا في المخابرات العسكرية الروسية ، وكان قد كشف للبريطانيين عن عملاء المخابرات الروسية في أوربا ، مما ساهم بقوة في ضرب الاختراق الروسي وتوقيف كثيرين ، وكان سيكريبال قد ألقي القبض عليه في روسيا وحكم بالسجن حوالي خمسة عشر عاما ، لكنه دخل في صفقة تبادل جواسيس مع الولايات المتحدة ، وعاش من وقتها في بريطانيا ، بحماية أجهزتها الأمنية .
عملية اغتيال الجاسوس الروسي تعتبر ضربة مهينة للاستخبارات البريطانية ، تحط من كرامتها وتضعف من مصداقيتها أمام عملائها ، كما أنها تعزز مشاعر الثقة في قدرات الاستخبارات الروسية في الثأر من عملائها المنشقين والقدرة على اختراق الأجهزة الأمنية في أكبر دولة أوربية وأكثرها خبرة في مجال الاستخبارات ، هذا كله كان في خلفية الغضب البريطاني الذي وصل إلى مجلس العموم ، وألقت رئيسة الوزراء شخصيا ، تيريزا ماي ، ببيان أمام النواب وقالت فيه أن الترجيحات كلها تشير إلى تورط روسيا في عملية الاغتيال ، واعتبرت ما حدث "عملية عسكرية جرت على الأرض البريطانية" ، وقررت استدعاء السفير الروسي .
الحكومة البريطانية خصصت أكثر من مائتي ضابط ، من أرفع الخبرات الأمنية لديها ، للتواجد في موقع الحادث والمدينة نفسها التي وقع فيها ، لجمع الأدلة ومناقشة الشهود وتحليل الصور والفيديوهات والاتصالات ، كما قالت رئيسة الوزراء البريطانية أنها تعطي الروس مهلة إلى اليوم الثلاثاء للرد على الاتهامات والإفادة ، والحقيقة أنها لا تنتظر الرد ، ولكنها تنتظر أن يرسل الروس "المصل" المحدد لعلاج هذا النوع من الغاز ، لأن الجهة التي صنعته هي وحدها التي تملك طريقة علاجه ، وبغير ذلك سيظل سيكريبال وابنته على أجهزة التنفس الصناعي وصولا إلى الموت المؤكد ، غير أن الروس حتى الآن ينكرون تورطهم في العملية ، وهناك تصريحات من وزير الخارجية الروسي ومن المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، التي قالت إن "هذه مهزلة في البرلمان البريطاني"، وأن تصريحات تيريزا ماي هو جزء من حملة سياسية تقوم على الاستفزاز ، أي أن أعلى مستويات هرم الدولة الروسية تهاجم الموقف البريطاني وتتهمه بالتلفيق والتحرش بروسيا ، لكن الموقف الروسي تأزم أكثر بعد دخول واشنطن على الخط وتأكيدها على فرضية تورط الروس في عملية اغتيال الجاسوس السابق .
لا يوجد أدنى شك في أن روسيا هي المتورطة في العملية ، لأنها صاحبة المصلحة والثأر الأساس في هذا الموضوع ، كما أن هذه طريقتها وتلك بصمتها في عشرات العمليات المشابهة ، كما أنها ليست الأولى في بريطانيا ، فقد سبق وتورطت في عملية اغتيال جاسوس آخر في بريطانيا وهو (ألكسندر ليتفينينكو) الذي اغتالته المخابرات الروسية في لندن قبل حوالي خمسة عشر عاما ، وبعد أن ألف كتابين عن العمليات القذرة للروس ، غير أن وضع "سيكريبال" يختلف عن "ليتفيننكو" الذي أسلم قبل وفاته وطلب أن يدفن في مدافن المسلمين ، لأن الأخير لم يكن جاسوسا لبريطانيا ، كان مسئولا سابقا في الاستخبارات الروسية وانشق وهرب وألف كتبا ، أما "سيكريبال" فهو جاسوس حقيقي لبريطانيا ، وهي مسئولة مسئولية كاملة عن تأمينه وحمايته وتوفير الحياة الكريمة له ولأسرته ، وبالتالي فاغتياله هو طعنة مذلة لكرامة بريطانيا واستخباراتها كافة .
الروس يراهنون على تراجع الغضب البريطاني مثل المرات السابقة ، لكن الواضح أن البريطانيين عازمون هذه المرة على أن لا تمر ، وقد استغلوا أجواء كأس العالم لكرة القدم التي ستقام في روسيا هذا الصيف من أجل التهديد بالانسحاب منها ومقاطعتها ، ولو حدث فإنها ستكون سابقة خطيرة ، ولا يستبعد أن تتضامن دولة أخرى أو أكثر مع بريطانيا في موقفها مما يعرض الحلم الروسي للانهيار ، وهو ما انعكس على التصريحات الروسية العصبية والتي ترى فيما يحدث "استفزازا" ، وتلوح بأنه سيعرض منظومة الرياضة في العالم كله للخطر .
هذا التصعيد الخطير يأتي في أجواء الخلاف الحاد أيضا بين بريطانيا وروسيا في الموقف من العدوان الروسي الوحشي على سوريا ، وعمليات الإبادة التي تجري هناك خاصة في الغوطة الشرقية ، واحتقار مجلس الأمن والاستخفاف بقراراته ، حيث هدد البريطانيون والفرنسيون والأمريكيون بالرد إذا لم تحترم روسيا قرار مجلس الأمن ، والحقيقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدفع العالم باتجاه الفوضى الحقيقية ، باستخدامه أسلوب البلطجة السياسية والعسكرية بصورة خطيرة في أكثر من مكان ، كما أنه أكثر حاكم في العالم كله تقريبا يستخدم عمليات التصفية الجسدية ضد خصومه شخصيا ، من المعارضين والصحفيين حيث اغتال عشرات الصحفيين المعارضين والملاحقين لقضايا فساده وفساد الخلية المحيطة به ، أو عمليات التصفية ضد المنشقين على أجهزته .
هل ستوافق روسيا على إرسال مصل العلاج من الغاز الذي أصيب به سيكريبال ، وبذلك سيكون اعترافا ضمنيا بمسئوليتها مع كل ما يترتب على ذلك ، أم أنها تمضي في تجاهل الغضب البريطاني ، وهل في الحالة الثانية ستنفذ بريطانيا تهديدها بمقاطعة كأس العالم المقبل ، أم أنها ستفضل الرد على روسيا في مواقع أخرى ، وهل ستكون سوريا هذه المرة مكانا للرد على بوتين وإحراجه ، كل الخيارات الآن مفتوحة على المجهول ، وفي كل الأحوال هي مباراة ممتعة بين الديناصورات .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف