عاش المصريون أياماً سوداء، لإدراكهم أن بلدهم يمضي في طريق النهاية، ويتم التهامه قطعة قطعة علي أيدي مرسي وأهله وعشيرته، وأن الديمقراطية والشرعية والصندوق وغيرها من عبارات المداهنة التي رفعوها، ما هي إلا ستار من الدخان الكثيف يحجب وراءه خططاً ومشروعات إخوانية لمحو هوية مصر، وتفكيك أوصالها، وإحكام السيطرة عليها، ولو استمر مرسي والإخوان في الحكم عاماً آخر، لقُضي علي الديمقراطية والمعارضة والقضاء والإعلام وحرية الرأي.. ومصر نفسها إلي الأبد، خصوصاً أن المعزول وجماعته كانوا يهيئون الأجواء لنموذج يشبه طالبان عن طريق فتاوي التكفير والعنف والقتل وإراقة الدماء، من حفنة من الظلاميين الذين احتضنهم ووضعهم في صدارة الصفوف في الاحتفالات والمناسبات الوطنية، وكان يجلس منفوشاً كالديك الرومي، ويهز رأسه وهم ينشرون فتاوي الفتنة التي تمزق الوطن وتبيح القتل وتنشر أسوأ أفكار التكفير.
لم يعبأ مرسي وجماعته بتحويل سيناء إلي وطن بديل للخونة، وملأها بالإرهابيين من تنظيم القاعدة لتخفيف الضغط عن القوات الأمريكية في أفغانستان، وكان ينوي استضافة مقاتلي الشيشان لتخفيف الضغوط عن الروس، وأضاف إليهم المئات من الإرهابيين الذين أطلق سراحهم من السجون المصرية، وفتح الأبواب علي مصراعيها لحماس، وغل يد القوات المسلحة عن تطهير سيناء بزعم أن »دم المسلم حرام علي المسلم»، وتدخلت عناية الله وشجاعة المصريين وجيشهم الباسل، والذين انتفضوا في الوقت القاتل ليوقفوا صفقات بيع الوطن، والتنازل عن أراضيه، تحت أكاذيب الإخوان عن الشرعية، والدفاع عن الإسلام، ونصرة الحق، وأنقذ الله مصر من الوقوع في براثن حكم ديني فاشي، يطمس ماضيها، ويدمر حاضرها، ويخنق مستقبلها.
الشرعية التي رفع الإخوان شعارها، هي في الدول الديمقراطية الحفاظ علي مؤسسات الدولة، أما عند الإخوان فهي تفكيك مؤسسات الدولة، ولم نسمع عن أحزاب تتولي الحكم في الدول المتقدمة، فتبادر بإعلان الحرب ضد القضاء تحت شعار زائف هو »التطهير»، وتحاصر المحاكم وتختار أعضاءها لتولي المناصب القضائية العليا، وتحرض قيادييها ابتداء من رئيس الدولة، للسخرية من القضاء والهجوم علي القضاة، وحدث نفس الشئ مع السلطة التنفيذية باختيار الوزراء والمحافظين وكبار الموظفين من أعضاء جماعة الإخوان، وإقصاء الكفاءات والخبرات لصالح الأهل والعشيرة والمؤيدين والأنصار، وكأنها غنائم حرب يجري توزيعها علي المنتصرين في غزوة الشرعية، التي داس عليها مرسي والإخوان بالأحذية، ولا يحق لهم أن يتمسكوا بها، لأنهم هم الذين هدموها وأهدروا قواعدها.
لم يفهموا أن شرعية مصر هي الباقية وشرعيتهم إلي زوال، وعاش المصريون عاماً كئيباً وحزيناً ومحبطاً، عندما تأكدوا أن الإخوان الذين جاءوا إلي الحكم بالصندوق، لن يسمحوا بحق التداول السلمي للسلطة بالصندوق أو بغيره، وانقلبوا علي الشرعية بتفصيل دستور »نص الليل» الإخواني، الذي يضمن احتكارهم للحكم إلي الأبد، وتفصيل القوانين علي مقاس مصالحهم وجماعتهم، وأخونة الإدارة المحلية والعمد والمشايخ وأئمة المساجد، بما يمكنهم من احتكار كل الطرق التي تؤدي إلي الصندوق، وقطعها عن معارضيهم ومنافسيهم.
تَولَّد لدي المصريين إحساس بالخطر الداهم علي مستقبل بلادهم، وأن مصر في طريق الضياع، بعد أن أسسوا جيشاً من الإرهابيين والقاعدة والجماعات الجهادية في سيناء، وأطلقوا سراح القتلة والإرهابيين من السجون، لقتل ضباط وجنود جيش بلادهم والشرطة الوطنية، وتعهدوا بالحفاظ علي أرواح الخاطفين، وغلّوا يد القوات المسلحة عن استكمال تطهير سيناء، وكان المعزول راعياً لتنظيمه السري في حماس أكثر من مصلحة بلده وشعبه، فأصبح رئيساً غير أمين علي بلده.
كان ضرورياً أن يرحلوا، لأن استمرارهم ضياع لمصر، وكان حتمياً أن تستعيد الدولة هيبتها، وتبني مؤسساتها.. وكان الله معنا، و»عناية الله جندي».