جمال سلطان
بريطانيا تصعد المعركة مع بوتين
لا مكان في بريطانيا لروابط "مافيات" الفساد ، هذا التعليق الخشن والفظ وغير المألوف في السياسة البريطانية استخدمته رئيسة وزراء بريطانيا اليوم وهي تتحدث بغضب عن تورط روسيا بوتين في اغتيال العميل الروسي ـ المواطن البريطاني حاليا ـ وابنته على الأراضي البريطانية باستخدام سلاح كيماوي ، غاز الأعصاب ، بالبلدي وبصريح العبارة فإن ماي تصف بوتين بأنه يتصرف كزعيم مافيا وليس رئيس دولة ، وقالت أنها تشعر بالأسف أن يتصرف بوتين ـ بالاسم ـ بهذه الطريقة ، وهو اتهام مباشر للرئيس الروسي بأنه متورط ـ شخصيا ـ في قرار تصفية سيكريبال وابنته .
قلت أمس أن بريطانيا في غاية الغضب وتشعر بالإهانة البالغة لكرامتها عندما تمكن العملاء الروس من اغتيال رجلهم وهو في حمايتهم وحراستهم وعلى أرضهم وتحت سمائهم ، وكانت بريطانيا قد أعطت الروس مهلة تنتهي بمنتصف ليل الثلاثاء بانتظار الرد ، والرد الأساس هو إرسال المصل المعالج لغاز الأعصاب الذي أصابوا به العميل الروسي وابنته ، لأن المعروف أن الجهاز الذي يصنع هذا السم هو الوحيد الذي يملك المصل المعالج له ، فإرسال المصل حتمي لإنقاذ حياة سيكريبال وابنته اللذين يعيشان حتى الآن بالأجهزة الصناعية ، فضلا عن شرطي بريطاني وصل سريعا إلى موقع الحادث فتعرض هو الآخر للإصابة ، ولما انتهى الموعد بدون أي رد روسي ، قررت بريطانيا حزمة من الإجراءات العقابية ، في أولها طرد ثلاثة وعشرين ديبلوماسي روسي تتهمهم بأنهم جواسيس يحملون وثائق ديبلوماسية ، وهو أكبر عدد يتم طرده منذ ثلاثين عاما وأمهلتهم أسبوعا واحدا للمغادرة ، كما قررت منع أي فرد من الأسرة المالكة أو وزير أو مسئول بريطاني من حضور افتتاح أو فعاليات كأس العالم المقبلة لكرة القدم ، وكذلك قررت تجميد الأصول المملوكة لروسيا في بريطانيا ، وهي خطوة بالغة الغرابة والخطورة ، كما قررت التحرك سريعا للنظر في بدائل اقتصادية للغاز الروسي الذي تعتمد عليه بريطانيا في توفير الطاقة لمصانعها ، وكذلك قررت فرض شروط أكثر تعقيدا على حاملي الجنسية الروسية الذين يرغبون في دخول بريطانيا ، والنظر إليهم باعتبارهم مصدر خطر على البلاد ومواطنيها مشيرة إلى أنها ستفرض إجراءات رقابية صارمة عليهم ، كما وجهت تحذيرات ضمنية للمواطنين البريطانيين الذين يرغبون في السفر إلى روسيا بضرورة مراجعة الخارجية واتخاذ احتياطات وهذا يعني ضرب السياحة البريطانية إلى روسيا .
الغضب البريطاني وصل إلى وسائل الإعلام الروسية العاملة في بريطانيا حيث قررت إعادة النظر في وضعها ، كما أشارت رئيسة الوزراء إلى أن المشكلة ليست مع الشعب الروسي وإنما مع السلطات الروسية ، وهي لغة جديدة في الخلافات الغربية ، كما قالت أنها سوف تلجأ إلى القوة لردع أي أعمال عدائية تقوم بها دول في الأراضي البريطانية .
بريطانيا صعدت ديبلوماسيا أيضا بدعوة الأمم المتحدة لمناقشة استخدام روسيا للأسلحة الكيماوية على الأراضي البريطانية ، وكذلك تقدمت بطلب لانعقاد مجلس الأمن للنظر في العدوان الروسي على الأرض البريطانية باستخدام الأسلحة الكيماوية ، كما طالبت حلف شمال الأطلسي "الناتو" بالتحرك معها تضامنا في مواجهة الاعتداء الروسي وهو ما رحب به الحلف في رد فعل أولي ، كما قالت تيريزا ماي أنها سترد على أي إجراءات روسية تصعيدية بإجراءات أخرى أكثر شدة ، كما قالت أن هناك إجراءات سرية لن يكشف عنها ردا على الاعتداء الروسي وتعهدت بتفكيك شبكة الجاسوسية الروسية لعشرات السنوات المقبلة ، كما قررت إلغاء زيارة وزير الخارجية "السمج" لافروف التي كان مقررا أن يقوم بها إلى لندن ، وقررت تعليق كل الاتفاقيات الثنائية عالية المستوى بين البلدين
لم تظهر الديبلوماسية البريطانية التي يضرب بها المثل في برودها بمثل هذه الحالة من العصبية والغضب من قبل ، ومن الواضح أن الأمور مرشحة للتصعيد ، لأن بوتين اعتاد على أسلوب "البلطجة" في التعامل مع خصومه ومعارضيه ، من الشخصيات أو الدول ، وأسلوبه في سوريا كان مثالا واضحا على هذه البطلجة والتي تنكر ضوء الشمس نفسه ، عندما أنكر أن يكون نظام بشار قد استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه ، بنفس الطريقة التي ينفي بها اغتيال العميل الروسي بغاز الأعصاب ، رغم أن تقارير لجان التحقيق الأممية حسمت المسألة في سوريا بالأدلة القطعية ، وعندما طرحت مسألة تشكيل لجنة أخرى للتحقيق رفض القرار ، وهو رفض يعني أنه متورط في الجريمة ، والحقيقة أن هذا الأسلوب الاستعراضي والفوضوي الذي يستخدمه بوتين كان من البديهي أن يعرض السلام العالمي للخطر ، ولعلها لعنة الدم السوري الذي تواطأ عليه الجميع ، والذي من المؤكد أن ذلك الصدام سيلقي بظلاله على تطورات الأزمة فيها ، حيث يتورط بوتين بشكل مباشر ودموي في حرق سوريا أرض وشعبا ومقدرات .