سعيد بردود الفعل على ما أثرته هنا فى نفس المكان الأسبوع الماضى عن معاناة إخواننا العراقيين مع المرض وسفرهم إلى الهند للعلاج وإنفاقهم مبالغ طائلة هناك.
ردود فعل كانت فى مجملها تتكلم عن الترحيب بفكرة المقال وأن مصر بالفعل هى سند للعراقيين.. وأن العراقيين يحتاجون إلى نقل تجربة مستشفى 57357 خاصة مع انتشار مرض السرطان فى العراق.. حيث يمكن استنساخ تجربة المستشفى المصرى لنقلها إلى بلاد الرافدين.. أو على الأقل الاستفادة من الأطباء المصريين وخبراتهم.
رسائل الإشادة كثيرة ولكننى سأنقل رسالة انتقاد جاءتنى على تويتر.. يقول صاحبها: "خلاصة المقال تريدون جزءًا من كعكة معاناة العراقيين.. أتمنى المقال المقبل عن معاناة العراقى العادى إذا فكر فى الذهاب إلى مصر للعلاج أو للسياحة أو أى سبب آخر".
وللحقيقة قبل الجزء الثانى من هذه الكلمات كلمنى صديق عراقى يعرض معاناة دخول رجال الأعمال العراقيين إلى مصر.. فلقد أتى الرجل إلى القاهرة نحو 5 مرات من قبل، وفى كل مرة يستورد فيها مستلزمات كهربائية من شركة مصرية شهيرة للكابلات فى مدينة العاشر من رمضان وكانت الفاتورة عدة ملايين.. ورغم تتالى مرات الزيارة، ورغم إنفاقه الملايين فإنه فى كل مرة يجد صعوبة كبيرة فى السماح له بدخول مصر.
هو متفهم تمامًا لكل الإجراءات الأمنية التى تحيط بدخول العراقيين إلى مصر.. لكنه فى نفس الوقت يطلب نظرة من الأمن فى حالته وفى حالة المشابهين له.. الذين يقدمون ولا يأخذون ويحبون ولا يكرهون.
فهو يذهب إلى العاشر من رمضان يشترى منتجات مصرية مائة فى المائة ثم ينثرها بنظام ودقة فى شوارع بغداد لتنير شوارع عاصمة الرشيد فرحًا بمنتجات جارتها العربية.. العروض تنهال على رجل الأعمال من الصين وتركيا وإيران والأردن ولكنه رغم ذلك يفضل المنتج المصرى.. يفضل أن ينفق أمواله هنا فى القاهرة، التى يعرفها جيدًا ويعرف شوارعها.. وأكل فيها الملوخية وورق العنب والطرشى والكشرى.. فهو عاشق كبير للمحروسة.. قبل أن يكون تاجرًا فيها ومستوردًا للكابلات الكهربائية منها.
هو يزور الكثير من البلاد بسهولة ويسر ويصعب عليه أن ترفضه أم الدنيا وتماطله عدة أشهر.. وفى النهاية تسمح له بالدخول.. فلماذا التأخير؟! ولماذا الموافقة؟! إنه لا يعرف.
رغم كل التأخيرات الأمنية.. ورغم أن وقت رجال الأعمال من ذهب والدقيقة تساوى أموالاً.. فإنه مازال عاشقًا للنيل والأهرامات.. يشترى من بلاد كثيرة لتسيير أعماله لكنه يأتى للشراء من أم الدنيا.. إنه ذلك الإدمان الذى لا مفر منه ولا علاج له.
ما حكاه لى ليس شعارات كما يقسم، ولكنها مصر بشمسها التى لا تغرب.. بعبدالوهاب وأم كلثوم ونجيب محفوظ والشيخ الشعراوى.. مصر بأفلام الأبيض والأسود والقوة الناعمة.. وبذور الثقافة التى يقرأها فى العراق.. فهو مازال حافظا لمقولة "مصر تؤلف ولبنان يطبع والعراق يقرأ".
وهو على العهد فى القراءة وعلى القوة فى الحب والعشق.
صديقى متفق مع صاحب تعليق تويتر فى معاناة العراقى إذا فكر فى زيارة مصر.. ويرغب فى أن تنظر السلطات المصرية بطريقة فيها مرونة أكبر.. وتطلب الأوراق والمستندات التى ترغب وتريد، طالما سيأخذ التأشيرة.. فهو فى النهاية لا يعترض على أى إجراء أمنى ترغبه القاهرة.
بقى التعليق على الجزء الأول من الانتقاد بأننا "نريد جزءًا من كعكة معاناة العراقيين".. لا!.. لا نريد.. أرغب أولاً وثانيًا وثالثًا.. أن يبنى العراق مستشفى بأمواله التى ينفقها فى الهند أو أى بلد آخر.. ويمكنه الاستعانة بالخبرات المصرية فى هذا المجال.. خاصة ــ كما قلت وأكرر ــ بخبرات الأطباء فى مستشفى 57357.
ولكن إن لم يفعل العراق فمستشفى 57357 أولى وأقرب..
وإذا كانت الأرقام الواردة عن إنفاق العراقيين فى أسبوع واحد أو حتى شهر واحد صحيحة.. فعندها بناء المستشفى سهل لا ريب.. فهيا إلى العمل لنعيش معًا.. وتكون هناك مصلحة مشتركة بدلا من أن نكون متفرقين.