الأهرام
عبد الرحمن سعد
فضل حفظ حديث الرسول
لا يقف ثواب القراءة بالنسبة للمسلم عند القرآن الكريم، بل هناك أجر يناله عن قراءة الأحاديث النبوية، وحفظها، ومدارستها؛ باعتبار أن العلم يُؤخذ من الكتاب والسنة معا، وأن طلب الأحاديث سبيل للجنة، ومن أفضل الطاعات، لأنها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن، كما أنها ميراث الرسول، صلى الله عليه وسلم.
هؤلاء عشرون صحابيًّا يَرْوون حديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه: "نضَّرَ الله عبدًا (في رواية "وجْهَ امرئ")، سَمِع مقالتي فوعاها، (في رواية "وحَفِظها") فبَلَّغها مَن لَم يَسْمعها، فرُبَّ حامل فِقْه إلى مَن هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فِقْه لا فِقْهَ له".(صححه الألباني في "صحيح الجامع").

ومعنى "نضَّر الله امرأً": الدعاء له بنضارة الوجه، والنعمة، والبهجة، والرونق، والإضاءة، والإشراق، وحُسن الجاه، والقَدْر في الْخَلق، في الدنيا والآخرة، أو الإخبار من النبي، صلى الله عليه وسلم، بحصول النضرة لمن حفظ الحديث، وبلغه كما حفظه.

وبحسب عبدالمحسن العباد: "هذا الحديث المتواتِر مشتمل على دعاء من النبيِّ، عليه الصلاة والسلام، لِمَن اشتغل بسُنته، وبلَّغها، وعَمِل بها، أنْ يجعلَه ذا نضرة وبهجة؛ حيث يكون وجْهه مُشْرقًا مُضيئًا في الدنيا والآخرة، فتكون عليه البهجة في الدنيا، ويكون ذا نضرة وبهجة في الآخرة، وقد جاء في القرآن الكريم: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ". (القيامة: 22 – 23).

وقيل: الدعاء سببُه أنَّ المرء يقوم بهذه المهمة العظيمة، فيتلقَّى حديثَ رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا حَفِظه، وبلَّغه إلى غيره، قد يستنبط الأخير منه ما يَخفى على ذلك الذي تحمَّل؛ ولهذا قال: "ورُبَّ حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه"؛ لأنه بذلك حَفِظ السُّنن، ومكَّن غيرَه من استنباط أحكامها".

ومما يدل على أن دراسة العلم النبوي، وحفظ الأحاديث، من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار، قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة". ( رواه أبو هريرة، وأخرجه مسلم).

كما أن التفقه في الأحاديث النبوية من دلائل أن الله أراد بعبده خيراً. قال، صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين". (متفق عليه عن عبدالله بن عباس). وقال: "خيركم من تعلم العلم وعلمه". (أخرجه البخاري).

والحديث النبوي هو "المحجة البيضاء"، التي قال الرسول، عليه الصلاة والسلام، فيها: "تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجّةُ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ". ("السلسلة الصحيحة").

و"المحجة البيضاء" هي جادة الطريق، وهي طريقة الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابهِ، وسلف الأُمة.. "لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا" أي: لا لبس فيها، بل تتضح كالنهار.

والأمر هكذا، قَسَّم الرسول، صلى الله عليه وسلم، الناس، إلى ثلاثة أقسام: قسمين محمودين هما العالم الفاهم الذي يعلم الناس، والحافظ للعلم الذي يبلغه غيره، وقسم مذموم هو من لا نفع فيه.

فعن أبي موسى الأشعري: "عَنْ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ". (رواه البخاري ومسلم) .

وعلَّق الحافظ ابن حجر على الحديث فقال: "شَبَّهَ السَّامِعِينَ لَهُ بِالْأَرْضِ الْمُخْتَلِفَة الَّتِي يَنْزِل بِهَا الْغَيْث، فَمِنْهُمْ الْعَالِم الْعَامِل الْمُعَلِّم. فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض الطَّيِّبَة شَرِبَتْ فَانْتَفَعَتْ فِي نَفْسهَا وَأَنْبَتَتْ فَنَفَعَتْ غَيْرهَا. وَمِنْهُمْ الْجَامِع لِلْعِلْمِ الْمُسْتَغْرِق لِزَمَانِهِ فِيهِ غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَعْمَل بِنَوَافِلِهِ أَوْ لَمْ يَتَفَقَّه فِيمَا جَمَعَ لَكِنَّهُ أَدَّاهُ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض الَّتِي يَسْتَقِرّ فِيهَا الْمَاء فَيَنْتَفِع النَّاس بِهِ، وَهُوَ الْمُشَار إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (نَضَّرَ اللَّه اِمْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا). وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْمَع الْعِلْم فَلَا يَحْفَظهُ وَلَا يَعْمَل بِهِ وَلَا يَنْقُلهُ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض السَّبْخَة أَوْ الْمَلْسَاء الَّتِي لَا تَقْبَل الْمَاء أَوْ تُفْسِدهُ عَلَى غَيْرهَا. وَإِنَّمَا جَمَعَ الْمَثَل بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْمَحْمُودَتَيْنِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِانْتِفَاع بِهِمَا ، وَأَفْرَدَ الطَّائِفَة الثَّالِثَة الْمَذْمُومَة لِعَدَمِ النَّفْع بِهَا".

ويبقى سؤال: أي كتاب في الأحاديث أيسر؟ والإجابة ثلاثة كتب هي: "جامع العلوم والحكم"، و"رياض الصالحين"، و"الأربعون النووية"، ذلك أن: "كلُّ حديث منها قاعِدةُ عظيمةُ من قواعد الدِّينِ، وقد وصَفَهُ العُلماءً بأنَّ مَدَارَ الإسلام عليه، أو نِصْفَ الإسلام، أو ثُلُثَهُ، أو نحو ذلك"، وفق الإمام النووي.

أخيرا، يكفي حافظ الحديث نعيما أنه أقوى الناس حجة، ودليلا. قال الإمام الشافعي: "من حفظ الحديث قويت حجته".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف