عبد المعطى احمد
تسألنى عن الفساد.. أقول لك
لماذا يضطر المواطن البسيط الذى يذهب إلى بعض الجهات الحكومية لإنجاز عمل له إلى تقديم رشوة أو البحث عن واسطة؟ أقول لك: لأنه عندما يذهب إلى هذه الجهة يجد أن الفوضى والتزاحم وانعدام النظام هى أسياد الموقف, فلا ترتيب لدور محدد لكل مواطن حسب أولوية وصوله كما يحدث فى البنوك, ولاتوجد لافتات وإرشادات تحدد المستندات المطلوبة, والخطوات التى يجب أن تتبع, والمنفذ المخصص لكل نوعية, والوقت المفترض لإنجاز العمل. وعندما يبحث المواطن عمن يشكو له يكتشف أن مدير الإدارة أو رئيس الحى يجلس فى مكتب مغلق ومكيف الهواء ومنعزل عن متابعة سير العمل والتواصل مع المواطنين وتلقى شكاواهم وتبيان معوقات العمل. فماذا يستطيع المواطن البسيط غير البحث عن واسطة, أو الانصياع للمثل القديم «إذا أردت أن تنجز فعليك بالونجز» ! وتسألنى: لماذا يتقبل مثل هؤلاء المديرين والرؤساء فى هذه المواقع أن تكون إداراتهم على هذه الحال من التردي؟ أقول لك:واحد من ثلاثة أسباب:
أولا: أنه مسنود فلا يبالي, ولايهتم ويعتبر المنصب نوعا من«العياقة»
ثانيا: أنه ضعيف القدرات الإدارية والشخصية, فهذه هى إمكاناته.
ثالثا: أنه منهج متعمد منه, فيترك الفوضى تسود ليستفيد صغار الموظفين المتعاملين مع البسطاء,بينما تتمكن «كريمة» المتعاملين من الوصول إليه, فيستفيد الاستفادة الأكبر إما ماديا أو إقامة علاقات معهم ربما يحتاجها فى المستقبل. وتسألنى أيضا: لماذا ينتظر الموظف البسيط الرشوة من المواطن البسيط؟ أقول لك: توحش الغلاء, وتدنى الدخول جعلا من السهل عليهماأن يقهرا التدين المظهرى الذى غاب عنه الصدق وعمق الإيمان وغاب معهما الرضا والقناعة واستطابة الحلال والتقزز من الحرام. وتسألنى كذلك :ماذا عن المتخمين مالا وجاها ومناصب ومع ذلك يرشون ويرتشون ويستغلون طلبا للمزيد؟ أقول لك:هم فئة أصابها السعار «إنهم الأخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا», والعلى العظيم هو القادر على أن يسلط عليهم من لايرحم ولا يجير. وتسألنى أخيرا : ما هو الحل لهذه المشكلة الأزلية؟ أقول لك:
أولا: الحل بيديك، ابدأ بنفسك,وتمسك بحقك فى الحصول على الخدمة الحكومية كاملة باعتباره من حقوقك الدستورية كمواطن,وحبذا لو ألمحت للموظف بطريقة ذكية أنك لن تدفع. إذا عمل نفسه أطرش مش سامع, وغبى مش فاهم لاتيأس.واصل الإلحاح بإصرار حتى يفهمك.
ثانيا: إننا فى حاجة إلى ثقافة التعامل مع أصحاب الحاجات داخل المصالح والهيئات الحكومية واحترام المواطن بقضاء طلبه أو مصلحته فى نفس اليوم, وتخفيف المعاناة بعيدا عن الروتين والتعقيد والمماطلة وتحكم الموظف, وإعادة النظر فى قرارات ولوائح ظالمة ومجهدة وقاسية.
ثالثا:إحياء الضمير وإعادة الانتماء إلى القيم والوطن وتطبيق القانون, وعلينا أن نتدارس المعنى التربوى السليم فى قوله تعالي:«إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».