الأهرام
ماجد حبته
البعض يفضّلونها مربّعة!
العجلة المستديرة فى «برلين» لن تكون مربعة فى «موسكو». وعليه، لن يكون مقبولًا ممّن هللوا، الأربعاء الماضي، لفوز المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (64 سنة) بولاية رابعة، أن يعترضوا، الأحد القادم، على نتيجة الانتخابات الروسية التى ستنتهي، قطعًا، بالتجديد للرئيس فلاديمير بوتين (65 سنة) للمرة الرابعة، نظريًا، أو على الورق، وللمرة الخامسة، واقعيًا.

لو لم تكن معنيًا أو متابعًا، نوضّح أن البرلمان الاتحادى الألمانى (البوندستاج) وافق، الأربعاء الماضى 14 مارس الجاري، على استمرار «ميركل» لفترة رابعة، أى لأربعة سنوات قادمة، بعد محادثات ماراثونية لتشكيل الحكومة الجديدة، بدأت فور إعلان نتيجة الانتخابات التشريعية، فى سبتمبر الماضي، وانتهت بتنازلات كبيرة قدمتها المستشارة للاشتراكيين الديمقراطيين لإقناعهم بالتحالف معها، وبتنازلات أكبر فى قضية اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، وبإثبات جديد على أن الديمقراطية فى أوروبا والدول المتقدمة، لم يعد معناها أن يختار الشعب، وإنما ما تقتضيه المصلحة!.

بفارق ضئيل، فازت «ميركل» فى انتخابات 2005على المستشار جيرهارت شرويدر، . وبفوزها بالفترة الرابعة، تكون قد حققت إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق. وطبعًا، لن يذكر التاريخ أن «والدة الأمة»ً، عجزت طوال ستة أشهر عن تشكيل الحكومة، وأنها لم تقتنص الولاية الرابعة، إلا بعد تقديمها تنازلات وصفتها، هى نفسها، بأنها مؤلمة!.

اختيار هورست زيهوفر، وزيرًا للداخلية، كان أحد أبرز تلك التنازلات، ليس فقط لأن استطلاع الرأى الذى أجراه مركز «سيفي» لصالح صحيفة «آوجسبورجر ألجماينه تسايتونج»، أظهر أن ٦٢٪ طالبوا بإحالته إلى التقاعد، مقابل ٢٤٪ أيدوا توليه المنصب. ولكن أيضًا بسبب مواقفه المتشددة ضد اللاجئين، بعكس «ميركل»، التى فاجأت العالم عندما فتحت الحدود لأكثر من مليون لاجئ ومهاجر، بلا وثائق. وطالما أشاد سكان كوكبى «فيس بوك» و«تويتر» بإنسانيتها المفرطة، وبصدرها المفتوح للهاربين من المجاعات والحروب.

الأكثر من ذلك، هو أن المستشارة أعلنت، بعد ساعات من أدائها اليمين الدستورية، أنها تؤيد خطة وزير داخليتها الجديد، التى تستهدف تسريع وتيرة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وطالبى اللجوء المرفوضة طلباتهم. وغير منصب وزير الداخلية الذى ذهب إلى السياسى المحافظ، رئيس الحزب المسيحى الاجتماعى البافاري، ذهبت 6 حقائب وزارية إلى الحزب الاشتراكى الديمقراطي، أبرزها حقيبة المالية التى حصل عليها أولاف شولتس (59 سنة)، مع منصب نائب المستشارة، وهو منصب بالغ الأهمية فى الحكومة الألمانية. وكذا حقيبة الخارجية التى حصل عليها هايكو ماس (51 سنة )، وزير العدل فى الحكومة السابقة, لست معترضًا، ولا أتمنى أن يدفعك شيطانك إلى استنتاج ذلك. فما أردته فقط هو إثبات أن العجلة لا يمكن أن تسير لو كانت «مربّعة»، وأنها كما كانت مستديرة فى برلين، ستكون كذلك أيضًا فى موسكو، التى لا ينافس «بوتين» فيها إلا نفسه، لأنه «ليس هناك من نضج بعد، لينافسه أو حتى يقترب من أن يكون منافسًا له»، وما بين التنصيص تصريح شهير قاله دميترى بيسكوف، المتحدث الرسمى باسم الرئاسة الروسية، الخميس 14 ديسمبر الماضي. وأضيف إليه أن الرئيس الروسى أرهق منافسيه، بسبب الطفرات التى شهدتها روسيا، داخليًا وخارجيًا، خلال فترات رئاسته الثلاث.

بوتين، الذى وصل إلى السلطة سنة ٢٠٠٠، لو فاز بفترة رئاسية رابعة (ومؤكد أنه سيفوز) سيظل على رأس الدولة حتى سنة ٢٠٢٤، بعد أن تم تمديد فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، فى التعديلات الدستورية التى اقترحها ديميترى ميدفيديف، الرئيس السابق، رئيس الوزراء الحالي، فى ٥ نوفمبر ٢٠٠٨، ووافق عليها البرلمان الروسى «الدوما» فى ٢٦ ديسمبر من السنة نفسها. وبهذا الشكل، وبعد أن تنتهى السنوات الست المقبلة يكون »بوتين« ثانى أطول رؤساء روسيا حكمًا بعد جوزيف ستالين، وقد يكون الأول لو استمر. صحيح أنه استبعد تعديل الدستور، إلا أن «ميدفيديف» قد يلعب سنة ٢٠٢٤ الدور الذى سبق أن لعبه فى ٢٠٠٨، ليظل «بوتين» رئيسًا للوزراء، فرئيسًا للدولة لفترتين جديدتين، أى منذ ٢٠٣٠ إلى 2042.

..وتبقى الإشارة إلى أن «العَجَلة»، بفتح العين والجيم، جهاز دائرى يمكنه الدوران حول محوره، وهى سهلة الحركة لأنها تتغلب، بالتدحرج، على الاحتكاك بالأرض. وثقافيًا وروحيًا، صارت رمزًا للتكرار المنتظم. ولأنها، من أقوى وأقدم نماذج الإبداع البشري، ظهر مصطلح «Reinvent the wheel» أو «إعادة اختراع العجلة»، لوصف إهدار الوقت فى أشياء غير مجدية، كما ظهرت النصيحة الغالية: «لا تخترع العجلة وابدأ من حيث انتهى الآخرون». ومع ذلك، فإن العجلة المستديرة فى «برلين» و«موسكو» وفى أى مكان يعيش فيه عقلاء، يريد البعض إعادة اختراعها لتكون «مربّعة» فى «القاهرة»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف