فى الأيام القليلة الماضية شهد العالم كله تقريبا تدفق المصريين على المقار الانتخابية فى الخارج، وهذا أمر كنا نتوقع حدوثه لثقتنا فى وعى شعبنا من جهة ومن جهة ثانية لأننا ذقنا مرارة تجربة حكم من كانوا ينادون بالمقاطعة.. لكن فى هذه الانتخابات استوقف كل المراقبين ترديد المصريين فى الخارج، حتى لو كانت تفصل بينهم آلاف الكيلومترات، بصوت هادر وبحماس بالغ أغنية أو قل نشيد «قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه» ..رددوا بفخر واعتزاز أسماء الشهداء الذين تحول اسم كل منهم إلى أسطورة وتفاصيل البطولات التى حققها جيشنا الباسل فى حربه المجيدة ضد أعداء الوطن وإرهابييهم.. كلمات تجسد تلاحم الكتلة المصرية، كما قال لى الإعلامى المحترم وليد رمضان، وهو من وضع الأغنية فى الإطار الذى ظهرت به أخيرا, بينما ظلت لعدة أشهر قبلها تحقق انتشارا محدودا، وقد ألهبت الأغنية حماس المصريين وأيقظت وعيهم بأهمية التصويت فى الانتخابات الرئاسية تأكيدا لتلاحم الكتلة المصرية..
لقد نبهتنا كلمات الأغنية الرائعة إلى الأهمية القصوى لقوتنا الناعمة ودورها فى مختلف المجالات وأذكر أننى عندما كنت أقوم بتغطية الحرب الإيرانية العراقية على مدى عدة سنوات، كنت ألاحظ خلو شوارع بغداد تقريبا من المارة أو السيارات وقت إذاعة المسلسلات المصرية، مثل ليالى الحلمية، ورأفت الهجان وليلة القبض على فاطمة, وغير ذلك من المسلسلات المصرية الرائعة والتى جعلت الأطفال العراقيين يتحدثون معى باللهجة المصرية بطلاقة. وللأسف الشديد تراجعت قوتنا الناعمة وكأن اقصاءها كان هدفا مقصودا، حيث باتت مثار حرب شعواء بفتاوى تبدأ من تحريم الفن وتجريمه مرورا بتشجيع الأعمال الهابطة وانتهاء بتشويه الشخصية المصرية، رجالا ونساء وحتى أطفالا.. وقد انعكس توارى القوة الناعمة، أى الفنون والإبداع والابتكار، فى تباعد المصريين عن بعضهم البعض وتفشت مشاعر الأنانية واللامبالاة، حتى وصلنا إلى أخطر منعطف مر به الوطن بظهور من ناصبوا مصر الدولة العداء عبر استهداف مؤسساتها، وفى المقدمة منها الجيش والشرطة والقضاء.
بعد ثورة الثلاثين من يونيو التى سيكتب عنها التاريخ طويلا والتى نجحت بفعل تلاحم الكتلة المصرية ،استعرت الحرب الإعلامية فى الخارج بحيث وصفت وسائل إعلامية غربية، هذه الثورة التى شارك فيها ما بين خمسة وثلاثين وأربعين مليون مصرى بأنها «انقلاب!!» ورغم وتيرة الإنجازات المتلاحقة والتى تمت بسرعة مذهلة قد أدى غياب القوة الناعمة الى انصراف الجماهير عن القضايا الحيوية، وإثارة البلبلة والشائعات حول اختفاء سلع غذائية أو إشاعة السخط باستغلال ارتفاع الأسعار، علما بأن المنطق يقول إن الظروف الصعبة التى تجتازها البلاد وهى تواجه حربا من أطراف عدة فى الداخل والخارج لا بد إلى زوال وأن المستقبل الواعد يتم بناؤه أمام أعيننا, إضافة إلى اكتشاف الغاز ومشاريع الكهرباء الكبرى والمدن الجديدة.. لكن أغنية قالوا إيه، أثبتت أن قوتنا الناعمة هى أقوى سلاح، فقد أشاعت مناخا رائعا من الحماس وغرد بكلماتها، الجميع صغارا وكبارا، وأعادت إحياء اللحمة بين جنودنا البواسل بتضحياتهم النبيلة وبين الشعب، هذا الشعب الذى بينه وبين بعضه، «عيش وملح» حسب تعبير الجندى الشاب اندرو الفار..
ما شاهدناه وشاهده العالم من تزاحم المصريين فى الخارج للإدلاء بأصواتهم وهم يشدون بأغنية قالوا ايه، يستحق التحية لكاتب الكلمات ولمن أنشدها ولمن استشعر أهمية قوتنا الناعمة وإخراجها إلى النور..فكان نورها مبهرا.