كتب الكاتب الكبير الأستاذ صلاح منتصر يوم الاثنين الماضى فى عموده اليومى تحت عنوان «شارع الآلام» مبدياً الخجل - وهو خجل يُفترض أن يشعر به المسئولون - من أن يكتب للمرة الثالثة عن رصف شارع أبو الفدا بالزمالك الذى تم تكسيره وتكسير أرصفته منذ خمسة أشهر وتوقف كل شىء بعد رصف مائتى متر، وكم أصاب كاتبنا الكبير بالإشارة إلى المفارقة المحزنة التى يمثلها هذا الأمر مع الثورة التى تشهدها مصر فى مجال الطرق بصفة خاصة، وقد هممت غير مرة بالكتابة عن حالة الطرق فى مصر ولم يمنعنى سوى التطورات المتلاحقة التى تؤثر على الأمن المصرى فى وطننا العربى ومحيطه الإقليمى والسياق العالمى الذى يتحرك فيه، غير أننى قررت هذه المرة بعد تردد أن أضم صوتى لصوت كاتبنا الكبير، وأن أدعو كل من لديه إضافة فى هذا الموضوع لأن يُسهم بها لعلنا نجد مخرجاً من هذه المفارقة المخجلة، وليس لدى ما أضيفه للشرح المسهب الذى قدمه الكاتب الكبير لكنى أنبه إلى أن «شارع الآلام» ليس وحده، فهناك شوارع للآلام أعرف بعضاً منها ولدى يقين بأن ما خفى كان أعظم، وأكتفى فى هذه السطور بأن أضيف «الطريق الدائرى» إلى «شارع الآلام» وذلك فى الجزء الواقع ما بين منزل محور المريوطية وطريق الواحات، وهو بهذا المعنى يعد «الشقيق الأكبر» لشارع الآلام، فمنذ مدة مقاربة تم «تجريف» هذا الجزء وللعلم فإن هذا التجريف يتم بطريقة إما أن تفضى إلى تكسير الطريق على نحو يهدد سلامة مستخدميه نتيجة المطبات والحُفَر التى تنجم عن التجريف، أو لأن الطريق يصبح غير مستوٍ نتيجة «الأضلاع» البارزة التى تنجم عن التجريف وتؤثر على اتزان السيارات التى تمر فوقه. وسوف يُقال بطبيعة الحال إن الغرض هو الإصلاح وهو أمر مرغوب لكن المعضلة المزمنة منذ عقود أن عملية الإصلاح تتكون من عنصرى «الهدم» و«البناء» وأن البيروقراطية المصرية عبر هذه العقود كانت دائماً كالعفريت الذى أتى لسيدنا سليمان بعرش بلقيس فى سرعة الهدم، وكالأرنب الكسول الذى سبقته السلحفاة فى القصة الشهيرة فى سرعة البناء، وهكذا يُكتب على المواطنين الجادين الذين يخرجون كل صباح للقيام بدورهم فى الحياة من مختلف الشرائح الاجتماعية أن يعانوا لمدد طويلة دون مبرر مقنع معاناة هائلة تتمثل على الأقل فى ضياع الوقت، وأحياناً تكسير الضلوع نتيجة الحوادث التى قد تسبب فقدان الحياة ذاتها، ناهيك عما يفقده المجتمع من موارد نتيجة الاستهلاك الزائد للمحروقات بسبب الزحام أو تغيير قطع الغيار التالفة من جراء الحوادث، والمؤسف أن الحل بسيط لكنه غائب على الدوام وهو أن تتكامل أنشطة الجهة المسئولة عن العمل، بمعنى ألا يحدث «الهدم» إلا عندما نكون متأكدين من أن «البناء» سيبدأ فوراً وليس فى هذا أى صعوبة، وبالمناسبة فإن غياب التنسيق أو التكامل بين الأنشطة الحكومية يمثل أزمة من أزمات التنمية فى بلدان العالم الثالث، وطبعاً يذكر المواطنون جيداً حالات الطرق التى لا يطيب للوكالات الحكومية المعنية أن تُجدد فيها شبكات الكهرباء والغاز والمياه والتليفونات إلا بعد أن يكتمل رصفها على أكمل وجه، ويُلاحظ أننا لم نتحدث حتى الآن عن العيوب الجسيمة الموجودة فى طرق رئيسية منها الطريق الدائرى أيضاً فى مواضع كثيرة للغاية كالفواصل الرديئة، بل والمحطمة والحُفَر والمطبات والنتوءات الهائلة فى بعض منازله ومطالعه، وقد ناشد كاتبنا الكبير محافظ القاهرة الاستجابة لنداءات المواطنين لكنى أضيف إليها مناشدة الرقابة الإدارية أن تتدخل لأن ما يحدث يقع فى تقديرى فى صميم مسئوليتها عن سلامة العمل الإداري، وقد تكتشف من تدخلها هذا أسرار البطء المعيب والاستخفاف الصارخ بمصالح المواطنين.
وما دمنا نتحدث عن الطرق ومعاناة المواطنين فلعل هذه تكون مناسبة ملائمة لإثارة مشكلة الطرق المغلقة بسبب أعمال المترو وهى عديدة وأساسية، وكان آخرها أجزاء من شوارع 26 يوليو والسودان وأحمد عرابي، وفى هذه الحالة لا يستطيع أحد أن يعترض على المبدأ لأن الإغلاق جزء من مشروع يهدف إلى حلول جذرية لمعاناة المواطنين فى تنقلاتهم اليومية، وقد رأينا ثمار المعاناة بعد اكتمال كل خط جديد من خطوط المترو، لكن المناشدة هنا تتمثل فى سرعة الإنجاز لأن جهة التنفيذ لا تدرى مدى معاناة الناس فى أرزاقهم من جراء هذا الإغلاق الذى امتد أحياناً فى حالات سابقة لسنوات، فهناك أنشطة بأكملها تتوقف لهذا السبب ومعها أرزاق أصحاب الأعمال وموظفيهم وعمالهم، وعندما أتحدث عن سرعة الإنجاز فإن ذلك يأتى من منطلق سوابق مضيئة، ألم يأمر الرئيس بأن تُنجز تفريعة قناة السويس الجديدة فى سنة بدلاً من ثلاث وتم هذا بالفعل؟ ألم يُنجز العديد من المشروعات القومية الكبرى إما فى الموعد المحدد أو قبله؟ ألم يُقل لنا فى البداية عند إعلان اكتشاف حقل الغاز العملاق «ظهر» أنه لن يبدأ إنتاجه قبل 2019 لكنه بدأ بالعزم والإرادة والجهد الخارق فى أواخر العام الماضي؟ بل أليس تاريخنا زاخراً بإنجازات عظيمة فى أوقات قياسية كسد أسوان العالى وإعادة بناء القوات المسلحة بعد هزيمة 1967 فى ست سنوات، ناهيك باستعادة القدرة على الدفاع فى أقل من ستة أشهر؟ صحيح أن كل الأمثلة السابقة تتعلق بمعارك كبرى خاضها الوطن للدفاع عن أمنه وبناء مستقبله ولكن ألا يستحق المواطن المصرى الذى يرجع إليه الفضل الأول فى اجتياز السنوات الصعبة والصمود فى وجه الإرهاب وتحمل صعوبات الإصلاح أن نلتفت إلى معاناته اليومية فى سعيه من أجل رزق يحفظ عليه كرامته؟