تمر بنا السنون وتتخطي أعمارنا أجيالا بعد أجيال ولا نشعر بأننا نتقدم في العمر، إلا في حالتين.. احداهما حينما نتقابل مع بعض اصدقائنا القدامي من زملاء الدراسة أو من جيراننا ممن كنا نلعب معهم في الصغر.. والأخري حينما يكبر أولادنا فنصطدم بما يسمي بصراع الأجيال!!
فحينما نري زملاء الطفولة بعد فترة من الزمن.. نجد علامات تقدم العمر بدت علي وجوههم وابيضت شعورهم أو فقدوا جزءا كبيرا منها.. علي الرغم اننا لا نشعر بهذا التغيير اذا ما نظرنا لأنفسنا في المرآة.
وحينما نتناقش مع ابنائنا نكتشف فجأة ان هناك اختلافا كبيرا في أفكارنا.. فما كان يصلح بالأمس لا يصلح اليوم.. ولا تتعجب حينما يري أولادك ما لا تراه أنت في نفسك.. فمهما كنت مبهرا أو حققت تقدما في حياتك العملية، فإبنك يري فيك أنك لست طموحا.. وان تعليمك وثقافتك لا تناسبه.. وربما وجد فيك البراءة وأحيانا الغباء!! لانك لا تحب المال.. ولا تبحث عنه فأنت في نظره إنسان غير طموح.. لم تستطع أن توفر له المسكن في »الكومبوند»، ولا السيارات الفارهة.. ولا الأزرار التي يضغط عليها فتتحقق كل طموحاته واحلامه.. حتي مهنتك لم تعد تعجبه فهو يري في كثير من الأمر انها مهنة قديمة بل بالية لا تناسب عصره.. هنا- هل تصطدم بابنك أم تسمعه فربما تكون انت المخطئ؟!
الحقيقة انه بعد مشوارك الطويل الذي قارب علي الانتهاء لا تستطيع أن تقول انك مخطئ.. فحياتك المهنية قاربت علي الانتهاء، ولم يعد أمامك مجالا لتغييرها فتقدمك في السن يجعل فكرة التغيير نفسها غير واردة.. حتي اذا كانت موجودة- فمنابع التطوير جفت أو قاربت علي الجفاف.. وعملية تجميع الأموال إن لم تكن لديك من بداية حياتك فإنه من المستحيل ان تصبح عندك في يوم وليلة.. فتجد نفسك انك ستكمل مشوارك راضيا بحالك كما هو.. وربنا يستر عليك من غدر الأيام.. أما أولادك فهم ابناء عصرهم وجيلهم وعليك أن تفكر معهم بطريقتهم.. فهم غير مخطئين.. فكل شيء حولهم أصبح له ثمن.. وكل شيء يساوي مالا.. ولا شيء غير المال.. كتعليمهم الذي انفقت عليه كل شقي السنين.. وفي احيان كثيرة ما استدنت وادخرت لتغطية مصروفاته.. واقترضت أو وفرت بأي شكل مصروفات ملابسهم واجهزة اللاب توب والموبايل الخاصة بهم.. فنحن في مجتمع مفتوح علي العالم الكل فيه علي أحدث صيحة.. وفجأة وعلي الرغم انك لم تقطع في عمرك الوظيفي أو المهني أكثر من ٢٠ عاما وهو عمر ابنك الآن تكتشف أمام ابنك انك عجوز.. أو بمعني آخر دقة قديمة.. وإذا كان ابنك مؤدبا فإنه سيصفك بالساذج أو البريء.. وهو لا يتهكم عليك أو يسيء لك.. وانما هو شخص متعجل في كل شيء.. لا يريد أن يضيع وقته في أمور لا يحقق من ورائها أي أموال.. وفي نفس الوقت لا يبذل مجهودا كبيرا لتحقيق طمواحته.. ولسان حاله لماذا أبذل هذا المجهود والفهلوة أصبحت سمة العصر؟.. ومقاييس كل القيم التي تعلمتها أصبحت بالنسبة له غباء في غباء فهو يري أصحاب مهن مثل الفن أو نجوم كرة القدم المحليين الذين اذا قورنوا بموهبة دولية لا يساوون شيئا أصبحوا يحصلون علي ملايين الجنيهات!! ولسان حال أولادنا لا أكره سوي من يكره المال.
فزمان كنا نقول عايزين نطلع أطباء أو مهندسين أو صحفيين الآن أصحاب هذه المهن في نظر أبنائنا من الشحاتين.
انني أشفق علي أبنائنا.. فزمانهم أصعب من زماننا بكثير.. وما كان يرضينا لم يعد يرضيهم الآن.. هذا الجيل فعلا مظلوم.. تعلموا أفضل منا وفرصهم في العمل تكاد تكون معدومة.. وكل شيء حولهم يساوي أموالا كثيرة.. ونحن نقول لهم أرضوا بالقليل.. زمان كنا نتعلم في المدرسة ان القناعة كنز لا يفني.. طيب جرب كدة وقول لابنك هذه الحكمة.. تراه يضحك عليك. ويقول في نفسه أنك أهبل.
وفي الحقيقة أنا بطلت أتكلم أمام أولادي منذ فترة ليست بالقليلة.. ودربت نفسي علي سماعهم ومازلت في مرحلة تجهيز الردود التي ربما تقنعهم وصحيح لم انته من تجهيزها حتي الآن ولكنني في مرحلة دراسة متأنية حتي أقدم لهم نصيحة شافية تليق بهم وتناسب أفكارهم حتي يسيروا في الطريق الصحيح.