هذا رجل من أهل الأنصار الذين حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم فكان الاطمئنان يملك وجدانهم والأنوار تتلألأ في وجوههم إنه البراء بن مالك.. سليل أسرة نذرت نفسها لله تعالي. وقد جاء إسلامه ودخوله في الدين الحنيف حينما علم ببعثة سيد الخلق فانطلق مع رفقة من الأنصار إلي مكة والتقوا برسول الله - صلي الله عليه وسلم - فأخذ يعلمهم القرآن ويذكر لهم قيم الإسلام الخالدة. وقد تم ذلك في بيعة العقبة.. حيث قال لهم الرسول الكريم: "أبايعكم علي أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم". ثم دار حوار بين هؤلاء الرجال والرسول وقد جاء ردهم علي طلب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بأنهم سوف يلبون مطالبه مشيرا أحدهم إلي أنهم أهل حرب وسلاح ورثوه عن الآباء والأجداد. لكن قام أحد هؤلاء الأنصار وقال: يا رسول الله إن هناك في المدينة يهوداً وبيننا وبينهم عهد ونحن سوف نقطعها فهل إذا فعلنا ذلك ونصرك الله أن تعود إلي قومك وتتركنا؟
بعد أن استمع الرسول إلي هذا الكلام قال: "بل الدم الدم والهدم الهدم" عبارات اعتاد العرب قولها في مثل هذه المواقف ثم أردف الرسول - صلي الله عليه وسلم - قائلا: "أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم" إلي أن قال: "لو سلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار" ثم دعا لهم الرسول لأنه لمس صدق قولهم ونبرة الإخلاص قد بدت بوضوح في حديثهم. والبراء أحد أبطال هذه البيعة والبراء أمه سهلة بنت ملحان قد ملأ الإيمان قلبها فعندما تقدم إليها من يريد الزواج منها كان طلبها أن يكون مهرها الإسلام وذلك عندما تقدم أحد أثرياء المدينة لطلب يدها بينما لم يدخل نور الإسلام قلبه.
والبراء سليل أسرة كريمة فأخوه أنس بن مالك خادم رسول الله وقد تمتع أنس بحب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فدعا له بكثرة المال والولد وقد حقق دعاء الرسول - صلي الله عليه وسلم - وعم البراء أنس بن النضر صاحب جولات في غزوة أحد وقد سقط شهيدا ووجدوا به أكثر من ثمانين طعنة. هذا الميراث الذي ورثه البراء من هذه الأسرة الكريمة فكان قويا وكان يتمني الشهادة في سبيل الله. فهو فارس تعلم أصول الحرب في أحضان أسرته وقد خصه الرسول بقوله "إن البراء مستجاب الدعوة" وقد كان الصحابة يطلبون الدعاء لهم بالانتصار في معاركهم لنشر الإسلام وظل البراء ينتظر الشهادة فاشترك في قتال المرتدين ومانعي الزكاة باليمامة حيث كان يتزعمهم مسيلمة الكذاب وقد أبلي البراء بلاء حسنا في هذه المعارك حيث اقتحم حصن المرتدين حين طاردهم جيش المسلمين فدخلوا الحصن وأغلقوا الباب ولم يأبه البراء بما سيكون مصيره ونفذ ما أراد وتمكن من فتحه وأتاح الفرصة لجيش المسلمين أن يدخل إلي قلب الحصن ويتم قتل مسيلمة الكذاب وتحقق النصر لجيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد وبعد هذا الاقتحام عثر المسلمون علي بطل هذا الانتصار جريحا عند باب الحديقة التي كان يتحصن بها الأعداء. وهنا تقدم خالد ونقل البراء إلي خيمته وأخذ يعالجه ورغم هذه الإصابة إلا أن هذا البطل كان يتمني الشهادة فقد كان بكاؤه لعدم نيل الشهادة مسموعا لكل أفراد الجيش ولكن خالد أخذ يطيب خاطره ويخبره بأن الله - سبحانه وتعالي - سيدخر له الشهادة في موقع آخر.. ثم شفاه الله من الإصابة وعاد الجيش إلي المدينة والفرحة تغمر أفراده. تلك لمحات من حياة هذا البطل وسوف نلتقي به غدا بإذن الله.