ألف وميم، حرفان لا أكثر يكفيان للتعريف بها، انها الأم التى هى الأصل الطيب لكل نبت، وهى ينبوع الحنان والرحمة الانسانى الذى يفيض على الأبناء وشرف الله سبحانه وتعالى كلمة أم بأن قرنها بمكة المكرمة عندما وصفها بأم القري، وزادها فخرا وشرفا وعزا عندما وصف خزائن علمه بأم الكتاب، مايعنى أن الام هى الجوهر والأصل والشرف والعزة لاى أسرة.
إنّ الأم هى العطاء، بكل صوره وأشكاله، عطاء بلا حدود ولا انتظار لمقابل، لذا كانت وصية النبى محمد صلى الله عليه وسلم بها فى حديثه الذى رواه أبو هريرة رضى الله عنه عندما جاءه رجل سائلا من أحق الناس بحسن صحابتي؟، فقال الرسول: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك، فى هذا إنصاف للأم التى تحملت متاعب الحمل تسعة أشهر، وارتبط قلبها بما فى احشائها قبل ان تراه، وبعد أن رأته تعلق فؤادها به فبات عندها أهم من صحتها ونور بصرها ونبض قلبها وسلامة بدنها، تسهر من أجل راحته وتكد من أجل إسعاده، تسخر نفسها وتحول حياتها لخدمته، حتى يشب فتى يافعا صالحا نافعا لمجتمعه وبلده، وفى يوم الحادى والعشرين من مارس كل عام والذى يشهد الاحتفال بالأم، تجد كل من فقد أمه ينزوى جانبا منقبا فى ذاكرته وما حوته من مواقف وذكريات مع الام التى كانت تمثل الدنيا بكل مافيها، ويتوقف أمام الدعوات التى كانت مفتاح الحياة والتغلب على الصعاب وشحن الوجدان بالطاقة الإيجابية ليتمكن من اجتياز عثرات الحياة، ومع انسياب الذكريات تمتلئ العيون بالدموع التى تنساب رغم محاولة كبح جماحها، ويتمتم اللسان بكلمات تبدو متطابقة مع ماقاله الشاعر الكبير فاروق جويدة فى قصيدته امي: اماه ياأماه ما أحوج القلب الحزين لدعوة، كم كانت الدعوات تمنحنى الامان، قد صرت ياأمى هنا رجلا كبيرا، وعرفت يا أمى كبار القوم والسلطان، لكننى ما عدت أشعر أننى انسان، نعم فبعد رحيل الأم يشعر الانسان مهما علا شأنه وكبرت سنه، أن شيئا عظيما ينقصه، وهل هناك أعظم من دعوات الام التى ببركتها تسير بنا الحياة، وأننا مهما بلغ العمر بنا نظل فى حاجة ملحة لدعوات الام كما ترجم ذلك الشاعر الكبير نزار قبانى فى قصيدته خمس رسائل الى امى حيث قال: طفت العالم الأصفر، ولم أعثرعلى امرأةٍ، تمشّط شعرى الأشقر، وتكسونى إذا أعري، وتنشلنى إذا أعثر، أيا أمّى أيا أمّي، أنا الولد الذى أبحر، ولازالت بخاطره تعيش عروسة السكّر، فكيف فكيف يا أمى غدوت أباً، ولم أكبر؟.
تلك هى المشكلة فرغم تقدم العمر يبقى الانسان بحاجة ملحة الى أمه، ولما لا وهى من قال فيها شاعر النيل حافظ ابراهيم: الام مدرسة إذا أعددتها أعدت شعبا طيب الاعراق، الام استاذ الاساتذة الألي، شغلت مآثرهم مدى الآفاق، تلك هى حال من فقد امه، يعيش فى ذلك اليوم مع ذكرياته معها، ويترحم عليها ويدعو الله ان يسكنها فسيح جناته، جزاء عطائها اللامحدود، ويجمعه معها فى مستقر رحمته، ويكفى للتدليل على مكانة الام، انه بعد رحيلها ينزل ملك من السماء كما أخبر رسول الله صلى الله عليه يقول الملك: «يا ابن آدم ماتت التى كنا نكرمك لأجلها، فاعمل لنفسك نكرمْك» هكذا كرم الله الام وحباها مكانة خاصة، فاستحقت أن تكون سيدة الأحباب ويمتد حبها الى حب الوطن فهو الأم الكبرى التى تحتضن أبناءها،وينتسب اليها الجميع ليفاخر كل منهم بها فى شتى بقاع الأرض، وهل هناك مثل مصر وطننا الذى نفاخر به، هل هناك وطن شرفه الله بأن اختار من ابنائه الذين ولدوا على أرضه انبياء مثل إدريس وموسى وهارون عليهم السلام، وزارها الخليل ابراهيم ولوط ويعقوب وشعيب عليهم السلام وترعرع فيها يوسف عليه السلام، وزادها الله فخرا بأن تجلى على جبلها الطور لنبيه موسى عليه السلام، واحتمى بها المسيح عيسى وأمه الصديقة مريم عليهما السلام، وذكرت فى القرآن أكثر من غيرها حتى مكة المكرمة، خمس مرات صراحة، واقترن الأمان باسمها كما اقترن بالجنة ومكة، لكل هذا فإن مصر تستحق من ابنائها بذل الغالى والنفيس من أجل رفعتها، وهو مايقوم به ابناؤها فى الجيش والشرطة من خلال حربهما ضد الارهاب لاقتلاعه من جذوره، لذا وجبت تحيتهم، ووجب على البقية ان يعملوا من أجل رفعتها، وأقل مايقومون به هو المشاركة الايجابية فى الانتخابات الرئاسية لتفاخر بهم مصر، وترد كيد الكائدين المتربصين بها.