الوطن
د. محمود خليل
«ولكم ما كسبتم»
حرب اليمن التى خاضتها مصر عام 1962، سبّبت للبلاد خسائر كثيرة، بشرية واقتصادية. تلك حقيقة تتّفق عليها كتب التاريخ. وثمة حقيقة تاريخية أخرى تقول إن خسائر مصر فى اليمن كانت واحدة من الأسباب المباشرة لنكسة 1967. المسئولية الكاملة فى الحالتين كانت تقع على الرئيس جمال عبدالناصر. هو نفسه اعترف بذلك. جرى فى ماء المشهد السياسى المصرى -ما بعد الستينات- مياه كثيرة تجعلنا نتساءل: لماذا نسترجع هذه الأحداث حتى اليوم، ونجد فيها أسباباً وجيهة وموضوعية لتفسير ما نقابله من أزمات اقتصادية؟.

لا بد أن نُسجل بداية أن أحداثاً كثيرة تفاعلت داخل المشهد المصرى بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، أولها حرب أكتوبر 1973، التى ثأر فيها المصريون لأنفسهم من هزيمة 1967. وبعدها -تحديداً فى عام 1977- بدأ الرئيس السادات رحلة السلام مع إسرائيل، وانتهى السعى بإبرام اتفاقية السلام 1979، لنسترد سيناء كاملة. هذان الحدثان كانا كفيلين بتضميد جراحات اليمن والنكسة، بل قل إن وقوعهما كان أكبر دليل على تجاوز مصر للمحنتين، لكن ما بال الحدثين يطفوان على سطح العقل المصرى عند البحث عن تفسير ما نعانيه من مشكلات وأزمات حتى اليوم؟. المفترض أن حقبة السبعينات تجاوزت الحدثين، فهل المشكلة تتعلق بحقبة الثمانينات وما تلاها؟. لم تخض مصر أى حروب طوال عقود الثمانينات والتسعينات والعقد الأول من القرن العشرين حتى خرج «مبارك» من الحكم. كان السلام هو السائد بين كل من مصر وإسرائيل. والرئيس «مبارك» كان يؤكد باستمرار أنه رجل حرب ويعلم آثارها جيداً، لذلك يحرص على تجنيب مصر أى صراعات عسكرية، مما يعنى أن السلام كانت له الكلمة العليا. فهل نالت مصر فى عقود السلام هزيمة من نوع ما ذكّرت المصريين بنكستى اليمن و1967، وعمّقت إحساسهم بها؟. هناك من يذهب إلى أن مصر خسرت فى السلام مع إسرائيل أكثر مما خسرته فى الحرب، وتقديرى أن المسألة ليست كذلك، وأن مصر لم تستطع الاستفادة من الفرصة التى تهيّأت لها بتجنّب الحرب بعد تحرير أرضها، ببذل جهد فى الإصلاح وحل المشكلات، بسبب الفكر السياسى الذى ساد طوال ثلاثين عاماً، ذلك الفكر الذى ارتكز على الفساد والاستبداد.

دول العالم جميعها عانت من ويلات الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، ثم الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، اليابان تعرّضت للقصف بالقنابل النووية. ورغم ذلك لم نسمع أن دولة -فى ما سبق أو لحق- تتذرّع بأن سر أزماتها خوض إحدى هاتين الحربين أو كلتيهما. الحرب محنة لا شك فى ذلك، لكن العيش والغرق فى ما خلفته من آثار أو نتائج مسألة أخرى، خصوصاً عندما تتجاوزها السنون، وتتخطاها الشعوب بالانتصار على هزيمتها. الأفضل باستمرار أن نُفتّش فى الأسباب المباشرة التى تؤدّى إلى مشكلاتنا الحالية، ونترك الآباء والأجداد فى قبورهم. فنحن نعيش واقعاً، وهم عاشوا تاريخاً، أدّوا فيه رسالتهم، طبقاً لفكرهم ورؤيتهم وتصوراتهم. وفى كل الأحوال علينا ألا نُهمل السياقات والظروف، ونحن نحكم على تجاربهم، سواء فى النصر أو الهزيمة. يقول الله تعالى «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف