جمال سلطان
الانتخابات الرئاسية .. البحث عن الصورة و"اللقطة" !
غدا الاثنين يبدأ التصويت في الانتخابات الرئاسية داخل مصر ، حيث يمتد إلى ثلاثة أيام ، والحقيقة أني لا أفهم لماذا تمتد الانتخابات في مصر إلى ثلاثة أيام ، في حين تتم في أغلب بلدان العالم ، حتى التي تضم عددا أكبر منا من السكان في يوم واحد ، كما أن التنافس ـ هذه المرة ـ ليس مطروحا أساسا في هذه الانتخابات بحيث نضطر إلى مط أيام التصويت لاستيعاب التدافع والصراع والحشود والطوابير والخلافات الحادة التي من المنتظر أن تحدث أثناء سير العملية الانتخابية ، لكن على كل حال ، هي فرصة أن ينعم المصريون بثلاثة أيام عطلة رسمية ، وينعم أهالي القاهرة تحديدا بشوارع أكثر هدوءا وأقل توترا .
الانتخابات تقريبا تتم من خلال مرشح واحد جديا ، وكان يمكن أن تمضي هكذا ـ وفق ما يتيحه الدستور ـ ويتم إنجاز المهمة بشكل رمزي من خلال نزول 5% من الناخبين للتصويت للمرشح عبد الفتاح السيسي ، فيصبح لزاما على الهيئة الوطنية للانتخاب إعلانه رئيسا للبلاد ، وتمضي الأمور بهدوء وسلاسة ، وينصرف الرئيس نفسه والحكومة والأجهزة الأمنية والسيادية لأشغالها الأهم ، ومصالح الناس ، والنظر في حال البلد المثقل بالهموم والمشاكل والتحديات ، ولكن البعض رأى أن خروج الاستحقاق على هذا النحو لا يليق ، ولا بد أن يكون "فرح العمدة" كبيرا وتتحدث عنه وسائل الإعلام العالمية والشرق والغرب ، كما أن هناك من أقنع بعضهم بأن الشرعية السياسية لن تولد إذا كان التصويت في الانتخابات ضعيفا أو رمزيا ، وبالتالي وجدنا هذا الاحتشاد المثير الذي تم توظيف كافة أدوات الدولة وأجهزتها من أجله ، رغم أنه لا يوجد ـ واقعيا ودستوريا ـ أي خطر يهدد فرصة حصول الرئيس على فترة رئاسية أخرى .
ما يحدث في الانتخابات الرئاسية أصبح علامة على سياسات النظام الجديد في مصر ، في مختلف شؤون الحياة ، وهي سياسات "الصورة" والشكل و"اللقطة" ، فالمهم دائما أن تخرج "الصورة" حلوة ، ومهم جدا أن تكون "اللقطة" ساحرة ، وليس مهما بعد ذلك تطابق الصورة مع الواقع أو أن تكون اللقطة معبرة عن حقيقة الأمور أو جوهر الوضع ، تبدو السياسة الحاكمة الآن في مصر تعطي أولوية كبرى للتسويق الإعلاني والتليفزيوني والسينمائي ، أكثر من اهتمامها بالإنجاز العملي وبجوهر العمل ودقته وسلامته وأولوياته للوطن ، ولذلك يندر أن تجد أحدا في مصر يقتنع بأننا شهدنا إنجازات ذات بال خلال السنوات الماضية ، رغم الصخب الكبير والإلحاح الذي يؤكد عليه منظومة إعلامية صاخبة وضخمة تمثل أهم أدوات النظام ، ومع ذلك تجد الناس تجيبك ببراءة : أين هي الإنجازات ، أحوالنا تزداد بؤسا ، وحتى الرئيس نفسه عندما يضطر إلى الحديث عن إنجازات بينما الناس لا تراها يقول بأن ثمرات إنجازاته لن ترى الآن ، لأنها ستثمر في الأجيال المقبلة ، وبطبيعة الحال عندما تأتي الأجيال المقبلة ، لن نكون نحن ولا السيسي هنا ، ويبدأ الوطن دورة جديدة مع حاكم جديد يحدث الناس أيضا عن الأجيال المقبلة .
لذلك ، لم تكن أولوية السلطة خلال الأشهر الماضية هو حماية التعددية السياسية بالفعل ، أو إتاحة الفرصة لوجود تنافس انتخابي يشد الناس بداهة ويحشدهم أمام اللجان من غير نداء ، بل كانت السياسة المنظورة تعطي إشارات عكس ذلك ، ثم بدأت معالجة أهم سلبية لتلك الوجهة ، وهي انصراف الناس عن العملية الانتخابية وعن التصويت لأن المنافسة انعدمت ، فيكون التعويض بإغراق الشوارع والمحلات والمؤسسات باللافتات التي تحمل صورة "المرشح" عبد الفتاح السيسي ، والنداءات الملحة للناس عبر مختلف وسائل الإعلام من أجل التصويت ، والتلويح بالعقوبة لمن لا ينزل ، والتعامل بقسوة مفرطة مع أي دعوة للمقاطعة ، ويمكن بسهولة تصور المشهد الإعلامي الذي سيتم التسويق له صباح غد عبر الصحف الموالية ومواقعها الإخبارية والقنوات التليفزيونية ، من الحديث عن الحشود الهائلة التي تقف أمام اللجان ، والإقبال التاريخي غير المسبوق على التصويت ، واللقطات المصورة الحانية والإنسانية المعتادة عن العجائز وكبار السن والمعوقين الذين لم تمنعهم ظروفهم القهرية عن المشاركة في "العرس الديمقراطي" ، وكل ذلك للتغطية على الحقيقة البديهية التي يعرفها الجميع ، وهي أنه لا توجد انتخابات بالمعنى الحقيقي والجاد .
إنها سياسة البحث عن "اللقطة" وتسويق الصورة ، وهي سياسة خطرة ، لأنها لا تواجه مشكلات الوطن وتحدياته بصراحة وشجاعة وجدية ، بل تتهرب منها عمليا ، مما يراكم الأزمات ويضاعفها ويعقدها مع مرور الوقت ، المهم أن تبقى "اللقطة" حلوة .