إنها مصر
كانوا يتمنون أن تكون اللجان الانتخابية خاوية، فتعبث كاميراتهم الشريرة في المقاطعة، وينسجون شائعات وهمية وقصصا هابطة، ويسبحون في تحليلاتهم المغرضة حول الأسباب، ابتداء من البكاء علي أطلال المعزول وأهله وعشيرته، حتي القرارات الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار والغلاء والأسعار.
لكن ذلك لم يحدث، وأجمل ما قيل إن الوقوف في طوابير التصويت أفضل من الطوابير أمام خيام اللاجئين، ومن له وطن فيه بعض المشاكل والتحديات، أفضل مليون مرة من لا وطن ولا أرض ولا جدران تحمي من صقيع الشتاء ولهيب الصيف، والمصريون بفطرتهم يدركون تلك الحقائق، ولا يقبلون من يزايد عليهم.
كانوا يتمنون أن تخرج من بين الصفوف أصوات زاعقة، تهاجم وتنتقد، وتهيل التراب علي العرس الانتخابي، وإذا لم يجدوها دفعوا واشتروها، كما كانت تفعل قناة جزيرة الشيطان التي كانت تذهب في سنوات سابقة بجراكن جديدة، توزعها علي البعض ليرفعوها فيما كان يسمي بمظاهرات العطش.
لكن ذلك لم يحدث، وابتلعت أمواج الفرحة محاولات العبث، ووقف الإجماع الشعبي حائط صد قويا، يجعل دعاة الفوضي، يعملون ألف حساب قبل أن يقدموا علي مخططات التشويه والإفساد، ولا يدرك الأشرار أن في وجدان المصريين مثلا قديما يقول »أنا وأخويا علي ابن عمي وأنا وابن عمي علي الغريب»، وأنتم لستم غرباء فقط، بل أعداء ومحرضون ومتربصون.
كانوا يتمنون أن يبثوا الرعب، بعد حادثهم الإجرامي في الإسكندرية، ويظنون أن مثل هذه الأعمال، ستجعل الأم تخاف علي نفسها وأولادها وزوجها - فتلزم بيتها ليس مقاطعة بل خوفاً، ومن خاف سلم.
لكن ذلك لم يحدث، لأنهم لم يفهموا شخصية المرأة المصرية المقاتلة، التي تؤمن أن مصر بيتها الكبير، وتتحول إلي أسد مفترس إذا ما اقترب خطر من هذا البيت، ولم يفسروا ظاهرة التفاف الجماهير حول عبواتهم الناسفة قبل إبطال مفعولها، وهل من يفعل ذلك يعرف الخوف؟
كانوا يتمنون أن يكون الناخبون منكسرين وعلي وجوههم الغضب وفي عيونهم الألم والحزن، ربما للوقوف الطويل في الطوابير، وربما للتعبير عن الضيق، وربما للشكوي الصامتة، وربما للخوف من اتخاذ إجراءات ضد المقاطعين، وسرح خيالهم في تفسير ما يتمنون من أوهام وخيالات الكراهية الدفينة والمرض العضال.
لكن ذلك لم يحدث، وكان الرد بالزغاريد والغناء والفرحة، وكأنه عيد شم النسيم، بالورود والملابس الزاهية الألوان، وفي الأعياد يلبس المصريون أحلي ما لديهم من أزياء، وشتان بين مظاهراتهم التي استهدفت الحرق والتكسير والترهيب، وبين جموع أحسوا أن بلدهم يحتاجهم فلبوا النداء، وأصبح مجرد النزول رسالة لكل الدنيا.. نحن مع مصر.
كانوا يتمنون أن يقدموا عربوناً لوسائل إعلام الشر والتدخل الأجنبي، بعد أن خدعوهم وقالوا لهم إن هذا الشعب سوف يقاطع، وسوف يمنعونكم من مراقبة الانتخابات حتي يمرروها في الظلام، وراهنوا علي أن السلطات سوف تحكم الحصار وتشدد الإجراءات الأمنية، وكأنها في حرب بأسلحة الخوف.
لكن ذلك لم يحدث، ولم يمنع صحفي أو مراسل، ولم تحظر كاميرا، وظهرت قوات الجيش والشرطة في شكل حضاري رائع، تؤمن اللجان وتقدم التسهيلات، وتعاون العجائز وكبار السن، وتبادل معهم الناخبون السلام والتحية، والتقطوا الصور بالموبايل.