أنور عبد اللطيف
هل نزل الوحى على سقراط وبوذا؟
«من هنا نبدأ» .. مع بداية مرحلة جديدة من تاريخ مصر السياسى .. أتذكر صاحب «الديمقراطية أبدا».. وكلما هبت رياح الغلو فى الدين واحتكار الحقيقة ومحاصرة الفكر الحر وسيادة منطق الجهل وتغييب العقل أتذكر صاحب كتاب «لكى لا تحرثوا فى البحر»..، إنه المفكر خالد محمد خالد الرجل الذى انتقل إلى رحاب الله يوم 29 فبراير 1996، وقد حصلت على واسطة لكى أجرى معه حديثا صحفيا، وبعد أن «ذاكرته» وكتبت الأسئلة وشطب ثلاثة أرباعها حتى تكون محددة فى «معنى أن تكون إنسانا»، لكن شاء الله أن يموت خالد محمد خالد قبل الحديث، وعاشت الأسئلة بلا إجابات طيلة 22 سنة حتى حقق علاء عبد الوهاب رئيس تحرير «كتاب اليوم» أمنيتي، وأعاد طبع كتاب (معا على الطريق .. محمد والمسيح) ووجدت فيه إجابات خالد محمد خالد على حديث لم يحدث. وهذا المقال ليس نقدا أو تحليلا أو عرضا للكتاب، ولكن إجابات تركها لنا ومضى صاحب «علامات على الطريق»
ـ ماهو برهان الإيمان الحق؟
..برهان إيمانكم إن كنتم صادقين أن تهبوا اليوم جميعا لحماية الإنسان وحماية الحق فى الحياة!.. ولكل جماعة أو طائفة تتخذ العنف والقتل وسيلة للدعوة، ولكل حكومة تسوم الناس بطغواها، وإلى كل فرد يسرق أو يغش ويظلم ويخون ويكذب إليهم جميعا يقول صاحب «محمد والمسيح» أن مسئوليتك أن تعرف الغرض الحقيقى لحياتك، أن تدعم الحب الذى لا يعرف الكراهية والسلام الذى لا يعرف القلق والعدل الذى لا يعرف البغي!
ـ وهل يوحى إلينا أو تأتينا الإشارة الإلهية حتى نعرف الغرض الحقيقى لحياتنا؟
السؤال السابق من أهل أثينا إلى سقراط، وكانت إجابته: منذ طفولتى يلازمنى وحى وهو عبارة عن صوت يطوف بى فينهانى عن أداء بعض ما أكون قد اعتزمت أداءه، فسقراط رجل عقل يستعمله فى أوسع نطاق من حق المناقشة والمعارضة إلى الشك، كما أنه يرى ان دنيانا هذه ليست المنتهى بل واحة فى الطريق، وهو يرى أن للموتى قيامة وعقلا ويبعثون من قبورهم ليستأنفوا رحلتهم.
ــ .. وقبل سقراط بمئات السنين كان اخناتون فى مصر القديمة يعلن أن الإله واحد!
ـ وبعد سقراط بعقود طويلة كان فتى وسيم الطلعة يرفل فى ريان الشباب وفى كل ما تحفل به الدنيا من مناعم ومطاعم ومباهج ومسرات، وذات يوم اقحم القدر فى طريقه نماذج من البشر ينطوى أصحابها على أسى ممض وفاجع، وفى أمسية ذلك اليوم نفض عنه ثيابه المترفة وما يتحلى به من لؤلؤ وذهب وأعطاها خادمه وذهب، وأسلم نفسه لصيام مرير، وكان هذا الفتى هو (بوذا) الذى شق على نفسه وكلفها بالعبادة وأسلمها لحياة الذهد والتقشف، ورن فى روعه بشارة الآلهة او الوحى او الإلهام، المهم أن أصحاب الإلهام يحسون انه قادم من فوق، وألقى بوذا حكمته :أيها الناس انبذوا الانانية».. وبذا يعترف انه لا يعرف كثيرا عن سر الإله ولكنه مسئول عن أن يعرف كل شئ عن بؤس الانسان، ويدعو الناس لينبذوا أطماعهم وأنانيتهم من أجل حالة السمو والصفاء والحكمة والحق، وفى نفس الزمان كان فى الصين من يقول: حياتى هى صلاتي، إنه كنفيشيوس، وقد حصر جهده فى تجديد حياة الناس، وضبط سلوكهم وفق ما يختاره، وخرج على الناس بتعاليم هدفها خلق «الرجل الجنتلمان».. أى الأنيق النظيف فى تصرفاته وفى حركاته. ولا يكاد هذا الهدير يهدأ حتى يجلجل فى الأفق: ويل للذين يقضون أقضية الباطل وللكتبة الذين يسجلون زورا ليصدوا الضعفاء، لتكون الأرامل غنيمتهم وينهبوا الأيتام، إنه صوت «أشعيا» يبشر العالم هاهى العذراء تحبل وتلد، وتعطى ابنا يحل فيها روح المعرفة ومخافة الرب، يقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالانصاف للبائسين!
ـ ومن أين نبدأ بعد هذه الإطلالة علي من يتنزل عليهم «الوحى» من العلماء؟
يجيب خالد محمد خالد: بالعلم وأهله تتحول السيوف الى عملة، وتتحول الرماح إلى مناجل، وتتحول ميزانيات الحروب وسلع الموت الى تعمير وإنعاش ورخاء وسلام دائم مقيم، ولهذا القت البشرية سمعها لرواد أمثال هيجل وابن رشد والفارابى وشكسبير وابن سينا ونيوتن وجاليليو والمعرى ... وغيرهم، من الذين عاشوا وتأملوا وكابدوا الصعاب وواجهوا الخطر من أجل الناس لا من أجل دنيا يصيبونها، والذين خرجوا من ديارهم ومن أنفسهم ومن أموالهم وتبتلوا لدعوتهم، حتى نرى عن حق الضياء الباهر للأخوين القادمين، «عيسى ومحمد» عليهما السلام، عيسى يلخص لنا كل فلسفات المحبة ودياناتها ورؤاها ثم يمنحنا إياها فى دعوة ميسرة وسلوك وديع، أما محمد فسينفض عن الإنسان آخر أشكال التبعية والخضوع، ويعلن فى شموخ واع حقيقة التوحيد، .. وهكذا تتلقى البشرية منهما آخر دروس إعدادها ويتسلم العلماء وثيقة رشدها، ومن هنا نبدأ!.