الأهرام
مراد وهبة
الحادى والعشرين» (221) .. لماذا فشل الحوار الدينى ؟
هذا السؤال مشتق من مقال للدكتور الأنبا قلته نشره فى جريدة الأهرام بتاريخ 18/2/2018 تحت عنوان ( الحوار الدينى أم الحوار الفلسفي) ومفاده أن الحوار الدينى وصل إلى طريق مسدود. والبديل عن الحوار الدينى هو الحوار الفلسفي. وقد انتهى إلى هذه النتيجة استناداً إلى خبرته الذاتية التى اكتسبها من وجوده عضواً فيما يسمى ( بيت العائلة).

وفى مسار فكرى واجهت شيئاً من هذا القبيل. ففى عام 1946 كنت طالباً فى بداية السنة الرابعة بقسم الفلسفة بجامعة فؤاد الأول وكنت على علاقة حميمة مع الأب قنواتى مؤسس ومدير معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان بالقاهرة بحكم ترددى على مكتبة المعهد الثرية بالكتب النادرة وغير النادرة. وفى ذلك العام دعانى الأب قنواتى للانضمام إلى جماعة (إخوان الصفا) وهى جماعة نشأت فى القاهرة فى يناير 1941 وكان رئيسها المستشرق الفرنسى لويس ماسينيون الذى يعتبر الأب الروحى للحوار الاسلامى المسيحى فى سياق المتصوفة، وليس فى سياق المتفلسفة. وارتأيت فى حينها أن ثمة تناقضاً بين ذلك الحوار وما يموج به المجتمع المصرى من إرهاصات ثورية تنبئ عن تغيير مرتقب فى نظام الحكم فانسحبت من الجماعة. غير أن المفارقة هنا أن الرئيس جمال عبد الناصر أصدر قراراً بإلغائها ثم أعادها الرئيس السادات، ولكن تحت مسمى (جماعة الإخاء الديني) وكان مهندس الحوار هو الأب قنواتى نفسه، ولكن فى إطار جديد كان قد بلوره فى محاضرة ألقاها فى جامعة القديس توما بروما فى 29 نوفمبر 1963 تحت عنوان (الاسلام فى زمن المجمع المسكونى الثاني). وفى ختام محاضرته قال: «إن العقائد غير قابلة للتغيير. ولهذا من العبث الاقتراب منها». ومعنى هذا القول أن الحوار الاسلامى المسيحى ينشد أمراً خارج العقيدة وقد كان هذا الأمر محكوماً بمقاومة التنوير بحكم أن الأب قنواتى ينتمى إلى مدرسة توما الأكوينى التى مارست مطاردة ابن رشد فى أوروبا فى القرن الثالث عشر لمنع مساهمته فى تأسيس تيار تنويري.

وإثر الانتهاء من إلقاء محاضرته أسس البابا بولس السادس (لجنة للأديان غير المسيحية) مع تعيين الأب قنواتى رئيساً. وطلب منى الانضمام إلى (جماعة الإخاء الديني) للمساهمة فى الحوار الاسلامى المسيحى إلا أننى لم أستجب، وكانت حجتى أن الملتزم بمعتقد معين هو على يقين من أنه مالك للحقيقة المطلقة، وأن هذه الحقيقة ليس لها من بديل. ولهذا فالحوار بين المعتقدات من شأنه أن يفضى إلى أن يزداد صاحب المعتقد تمسكاً بما يملك خوفاً من ضياعه أثناء الحوار، أو من التنازل عن جزء منه. والنتيجة مزيد من التعصب، بل مزيد من الارهاب لأن الارهاب ملازم للتعصب. ولم يقتصر احجامى على دعوات الأب قنواتى بل امتد إلى دعوات أخرى جاءت من منظمات دولية اشترطتُ فيها توجيه نقد جذرى لمفهوم حوار الأديان فتم الاعتذار عن عدم ارسال الدعوة إلا مرة واحدة قبلت فيها الدعوة للمشاركة فى الملتقى الاسلامى المسيحى الخامس الذى عقده (مركز الدراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعية) بتونس فى نوفمبر 1991 إذ وافق رئيسه عبد الوهاب بوحديبه أن أكون ناقداً. وكانت المفاجأة إعلان بوحديبه أن ذلك المؤتمر الخامس هو نهاية المطاف، أى أن المركز لن يعقد ملتقيات أخرى على ذلك المنوال.

واللافت للانتباه هنا الافتراق بين الأب قنواتى والأنبا قلته وهما من اللاهوتيين الكاثوليك الكبار. الأول مع الحوار الدينى وبلا تردد والثانى ضد الحوار الدينى بلا تردد، أيضاً. ومع ذلك فقد سألنى الأب قنواتى قبل مغادرته هذه الدنيا بستة أشهر: ما رأيك فيما هو حادث؟ فأجبته بسؤال: وما هو الذى هو حادث؟ أجاب: التعصب. فأجبته بلا تردد: من أسبابه أصولية دينية مغلفة بحوار ديني. أما الأنبا قلته فقد التقيته فى ندوة بتنظيم من الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية تحت رئاسة القس الدكتور صموئيل حبيب فى أول سبتمبر 1997، والذى قال فى مفتتح الندوة عبارة لها مغزي» إن الله فوق الأديان». فالرأى الشائع أن الدين الذى يؤمن بالله هو المعادل الموضوعى لهذا الاله. أما هذه العبارة فتعنى على الضد من ذلك، إذ تعنى أن الدين ليس هو المعادل الموضوعى لله. ومن هنا جاء تعليقى على النحو الآتي: إذا كان الله فوق الأديان فالأديان بالضرورة نسبية. وتساءل الأنبا قلته مداعباً: وإذا كان ذلك كذلك فماذا نحن فاعلون؟ وكان يقصد رجال الدين. وأظن أن المداعبة التى أبداها فى عام 1997 قد انتهت فى عام 2018 إلى عبارته التى جاءت فى مقاله وهى أن (الحوار الدينى وصل إلى طريق مسدود). ثم ارتأى أن الحوار الفلسفى هو البديل. وأنا بدورى أتساءل: هل ثمة منظمات فلسفية منشغلة بإجراء حوار بين الفلاسفة فى مواحهة الارهاب؟

أظن أنها الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير التى تأسست فى القاهرة فى عام 1994 إلا أنها تلقى مقاومة. فما العمل؟.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف