الأهرام
محمد شعير
العملية «مصر» فى سوريا
مشهد «ليل خارجي»؛ ليل مظلم وطويل جدا، الاشتباكات تتجدد بين «جبهة تحرير سوريا» و«هيئة تحرير الشام» فى ريف حلب بعد انتهاء الهدنة المتفق عليها بينهما بوساطة «فيلق الشام». فى سوريا الكل يتحدث عن «التحرير». التحرير ممن ولأجل من؟!. الكل يتحدث باسم «الشام»؛ الجبهة والهيئة والفيلق. من مع من وضد من؟!. ليل مظلم طويل جدا.

«نهار خارجي»؛ نهار غائم، الرؤية فيه ضبابية، رئيس تركيا يقف وسط حشد معلنا بفخر: «حررنا عفرين بالكامل ورفعنا العلم التركى على ترابها». عفرين مدينة سورية، «حررها» الأتراك من السوريين!. «تحرير» هذا أم «احتلال»؟!. التسميات هى لعبة السياسيين على كل حال، والاجتياح التركى المسلح، المخضب بالدم، الذى نثر بذور الخراب والهدم، جاء كله فى إطار عملية اختير لها اسمٌ حالم؛ «غصن الزيتون»!. نهار غائم، الرؤية فيه شبه منعدمة.

«ليل داخلي»؛ ليل يطل فيه القمر من نافذة مكتبى فى «الأهرام»، تحمل ضوءه لى نسمة هواء منعشة، تخفف وطأة ما أتابعه من أحداث على جهاز «الكمبيوتر» أمامي، ولكن - بفعل الأحداث- يسرح خيالي، وأتذكر. «فلاش باك»؛ أجلس مساء إحدى الليالى فى منزلي، أتابع الـ «فيسبوك»، على سبيل العمل أو الملل. يأتينى طلب صداقة من شخص يحمل نفس اسمى يسبقه لقب «دكتور»، ظللنا فترة مجرد أصدقاء «فيسبوكيين» دون تواصل، وبعدها جاءت المفاجأة؛ قرأت للرجل تصريحا على موقع جريدة «الدستور»، فعرفت أنه الدكتور محمد شعير العضو المنتدب لشركة النصر للتصدير والاستيراد؛ إحدى شركات قطاع الأعمال، وصاحبة التاريخ الطويل كقوة ناعمة لمصر لا سيما فى أفريقيا، أما التصريح ذاته فجاء فيه أن وفدًا من الشركات المصرية كان سيزور دمشق فى 17 فبراير الماضي، لبحث عملية إعادة إعمار سوريا.

تعود ذاكرتى من أحداث فبراير، لتصطدم بما أتابعه أمامى على «الكمبيوتر» من أحداث مارس؛ مارس فى بلاد الشام شهرٌ تتجدد فيه الأحزان والتساؤلات المعلقة كل عام، ففى 15 مارس 2011 بدأت «الحكاية الأليمة»، هى أليمة بالطبع بحكم ما أوصلتنا إليه فى 2018، مهما كان البعض - وكنتُ- بريئا فى أحلام البواكير، على أى حال، لم تحمل عملية إعادة الإعمار أى مسميات حالمة، لم تكن مثل «غصن الزيتون» الذى تبين أنه مجرد فرع فى «شجرة الجنون»!.

ازدادت برودة نسمة الهواء، أغلقت نافذة مكتبي، فتسلل الدفء وأخذ فى الازدياد، اتصلت بالدكتور محمد شعير، تعارفنا بودّ، ثم حدثنى بحماس شديد عن أحلامه فى عودة شركة «النصر» كقوة ناعمة لمصر، وكمصدر للربح والدخل، وضرورة عدم سير الدولة فى مسألة إغلاق فروع للشركة، خاصة بعد تقليص الخسائر والاتجاه نحو تحقيق المكاسب، وأهمية وجود مرونة فى السياسات والإجراءات والتشريعات، لا عرقلة الخطوات، سألته عن زيارة وفد الشركات المصرية سوريا، فقال: «كنا سنذهب كوفد حكومى للتعاون والمساعدة والاستفادة من إعادة الإعمار، وأخذت السفارة السورية فى القاهرة جوازات السفر الخاصة بنا بالفعل، لكن تم قصف بعض الأحياء فى دمشق، ومنها الحى الذى كنا سنقيم فيه، لذا قرر الإخوة السوريون تأجيل الزيارة»، واستدرك سريعا: «لكن هناك بدائل أخرى للتعاون التجاري».

قلت له: «كيف؟!». أوضح قائلا: «أى إعمار حاليا سيكون معرّضًا للهدم من جديد، لكن إخواننا السوريين يحتاجون الطعام والشراب والدواء والملابس ومختلف مستلزمات الحياة اليومية، لذا فإننا نفكر فى توصيلها لهم عن طريق الأردن أو لبنان، ونبحث ذلك مع مسئولى السفارة السورية، ولو نجحنا سيكون هناك عمل جيد جدا للشركات المصرية، ودعم ومساعدة أيضا للشعب الشقيق، لذلك أحاول حاليا فتح ثغرات مع شركات القطاع الخاص، لأنها أكثر حرية فى الحركة، واجتمعتُ بممثلين عنها، عارضًا عليهم مشاركتنا فى هذا العمل». استأذنته فى نقل كلماته فرحّب قائلا: «هى دعوة للقطاع الخاص أُطلقها من خلال مقالك لمساعدة أهلنا فى سوريا، بتوفير متطلبات الحياة اليومية لهم بأسعار مناسبة، لأن المستهدف ليس الربح وحسب، بل الهدف وطني».

مشهد الختام؛ «ليل داخلي»، فجر أمس الأول فى منزلي، أستعد لكتابة المقال، قبل شروق شمس الصباح. أفكر وأقارن؛ فى مقابل عمليات أبطال لعبة الأمم فى سوريا؛ هذه هى عمليتنا. لماذا لا نسميها - بهدوء دون إدعاء - العملية «مصر» فى سوريا؟. أحلل وأتذكر؛ الاتهامات لمصر بدعم النظام السورى الحالى لا تتوقف. «فلاش باك» أخير؛ أتذكر كلمات مصادري؛ «المسألة ليست دعم نظام سيرحل عاجلا أو آجلا، بل الحرص على بقاء الدولة السورية، ووحدتها لا تقسيمها، والتوافق حول حل أزمتها، وعدم حدوث فراغ فى سلطتها». تلك هى محددات العملية «مصر» فى سوريا، سياسيًا، وهى واضحة ومعلنة، فى مقابل ألعاب الآخرين، لكن سوء الفهم يحكم الكثيرين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف