الأهرام
عبد المنعم سعيد
السياسة الخارجية فى الانتخابات الرئاسية
اليوم ثالث أيام الانتخابات الرئاسية، وحتى وقت كتابة هذا المقال قبل أسبوع فإن موضوع السياسة الخارجية والأمن القومى كان نادرا ما يرد فى دائرة النقاش الانتخابي. لا أظن أن ذلك كان مقصودا، ولا أن الموضوع فقد أهميته، وإنما أن التحديات الداخلية الكثيرة كانت هى الملحة على الحوار العام؛ وحتى موضوع الإرهاب فإن إلحاحه جاء من زاوية الاستقرار الداخلى وتحرير سيناء من الإرهابيين استعدادا لإطلاق شرارة تنميتها. وإذا كان ذلك غالبا فى حملات الرئيس السيسى الانتخابية، فإن حملة المنافس موسى مصطفى موسى لم يوجد فيها ما يلفت النظر فيما يخص الموضوع ربما لأن القضايا فيها موضع توافق وطنى عام، ولا يوجد فيها ما يعد وجهات نظر. الغريب أن كل ذلك حدث بينما كانت هناك خطوات مهمة اتخذها الرئيس خلال السنوات الأربع الماضية، والأرجح أنها سوف تلقى بظلها وثقلها على السنوات الأربع المقبلة أيضا.

أولا وتقليديا: أن السياسة الخارجية المصرية دارت تاريخيا حول الدوائر الثلاث التى تحدث عنها عبد الناصر فى فلسفة الثورة: الدائرة العربية، والأخرى الأفريقية، والثالثة الإسلامية. نظريا كانت هذه هى المناطق الحيوية حتى عندما شهدت السنون أن الدائرة السوفيتية أو الأمريكية أو الأوروبية والآسيوية أحيانا باتت دوائر حيوية. فى زمن الرئيس السيسي، وربما بحكم الظروف التى مرت بها مصر فى النصف الأول من العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، فإن الحركة المصرية حافظت على الوجود فى الدوائر الثلاث، مع تركيز أكبر، ربما بهدف التعويض للدائرة الإفريقية التى كان حضور قمتها من أول الأعمال الخارجية التى قام بها الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي. ولكن الاهتمام والتجديد أيضا جاء بإعطاء جرعات أكبر لدائرة الجوار القريب فكانت عمليات ترسيم الحدود البحرية مع السعودية أولا وقبرص ثانيا فتحا واسعا للبحرين الأحمر الذى باتت له قيادة جنوبية فى البحرية المصرية، والبحر المتوسط الذى وضع العلاقات المصرية مع قبرص واليونان علاقة خاصة؛ وكذلك كان الحال مع السعودية التى صار معها البحر الأحمر بحيرة مشتركة.

وثانيا: أن السياستين الخارجية والداخلية تداخلتا حتى بات صعبا التمييز بينهما. فعملية ترسيم الحدود البحرية كان جوهرها فى النهاية هو أن تكون مصر مركزا إقليميا مركبا للطاقة تنتج فيه مصر وتصدر وتسيل وتصنع وتنقل بحيث برزت جغرافية مصر الاقتصادية كما لم تبرز من قبل. باتت مصر مركز المحاور، ونقطة الانطلاق والافتراق، بين مشروعات اقتصادية كبرى لإقامة المدن (نيوم)، وتسهيل حركة التجارة لسلعة حيوية عبر قناة السويس وخط السوميد وشركة شرق البحر الأبيض المتوسط وشبكة الأنابيب الخاصة بها لنقل الغاز إلى مصانع دمياط وإدكو لتسييل الغاز. ولم تسجل مصر «هدفا» واحدا عندما عقدت شركة دولفينوس المصرية اتفاقا مع شركة نوبل الأمريكية بقيمة 15 مليار دولار، وإنما كان الهدف مزدوجا عندما قامت شركة شل بعقد اتفاق آخر مع الشركة نفسها بقيمة 25 مليار دولار. ولكن كل ذلك كان يسجل هدفا ثالثا فى الوقت نفسه، فربما كان واحدا من أهم أهداف السياسة الخارجية المصرية خلال السنوات الماضية هو تحسين صورة مصر فى الخارج وحدث ذلك، وياللغرابة من خلال السياسة الداخلية التى نتجت عن تخطيط الحدود البحرية، وقبلها وبعدها الدخول فى أكبر عملية للإصلاح الاقتصادى فى العصر الحديث، وبشهادة مباشرة من صندق النقد الدولى وليس غيره. كانت الشهادة لمصر، فى أمر داخلي، هى التى وضعت حدا لتدهور صورة مصر الخارجية، فكانت هى الدولة التى تحارب الإرهاب وحدها، فى الوقت الذى تعيد فيه بناء الدولة من جديد.

ثالثا: كان الرئيس السيسى يريد استعادة الاستقرار فى المنطقة غير المستقرة منذ بداية العقد الحالي، وكانت بدايته من مصر عندما فشلت جهود الإخوان فى جعل مصر مثل سوريا، ولكنه كان يدرك أيضا أن المنطقة تحتاج إعادة ترتيب توازن القوى من جديد فكان التحالف المصرى الخليجى نوعا من موازنة الجهود الإيرانية والتركية التوسعية فى بلدان عربية أخري. كان تشكيل التحالف الرباعى من مصر والسعودية والإمارات والبحرين ليس فقط لمواجهة قطر وسياساتها، وإنما كان عملية تشكيل جديد لتوازن القوى فى المنطقة سواء كان ذلك فى مواجهة الإرهاب أو إيقاف النفوذ الإيرانى والتركي؛ أو التعامل مع القوى الكبرى فى العالم. وبشكل عام فإن الائتلاف العربى الرباعى كان ممثلا لمجموعة من الخصائص التى تبدأ بالحفاظ على الدولة فى المنطقة، ومقاومة الفواعل الإرهابية من غير الدول، وبشكل عام تحالف قوى الاعتدال والرغبة فى التجديد الدينى والإصلاح الاقتصادى والاجتماعى بحيث تكون جاذبة لدول أخرى فى المنطقة العربية مثل الأردن والمغرب. وبالنسبة لمصر فإن المعادلة الرئيسية هى التحالف والتآلف فى كل ما يحقق الاستقرار، ولكن ذلك دون التورط فى أمور أو صراعات لا تريد مصر التحكم فيها. فمصر كانت على استعداد للدفاع عن أراضى واستقرار دول مجلس التعاون الخليجى فيما عرف بمبدأ «مسافة السكة» أى أن الجيش المصرى لن يكون أمامه سوى زمن الانتقال حتى يدافع مباشرة عن الدول الخليجية. ولكن مصر ليست على استعداد للتورط فى صراعات تكون خارج دول مجلس التعاون أو أنها تسير وفق المصالح الخاصة بدول عربية ولم تستشر فيها مصر أو كان لها وجهة نظر مختلفة فى إدارتها.

رابعا: أن قضية مياه النيل وقيام إثيوبيا بتشييد سد النهضة هى من مصالح مصر الحيوية منذ فجر التاريخ، وهنا فإن السياسة المصرية سارت على ثلاثة مستويات أولها كان قاريا فكان التحسن فى العلاقات المصرية الإفريقية؛ وثانيها داخل مصر ذاتها حيث دخلت مصر فى مشروعات كبيرة وعملاقة لتحلية المياه؛ وثالثها أن تتفاوض مع إثيوبيا والسودان على أساس دفع الضرر عن كل بلدان الإقليم النيلي. وفى الوقت الذى كانت فيه الدبلوماسية تعمل على هذه الجبهات كانت القوات المسلحة المصرية يجرى تحديثها لحماية حدود مصر ومصالحها الحيوية.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف