بوابة الشروق
نانيس خليل
قارئة تشارك فى حوار المرأة فى عيدها
فى مقال انطباعات يوم الأربعاء الموافق 14 مارس الحالى نقلت جانبا من حوار دار فى أحد النوادى واشترك فيه رجلان وامرأة. اتصل بى بعد نشر المقال أصدقاء يطلبون مناقشتى شفهيا فى بعض الأفكار الواردة فى المقال وصديقات عرضن المساهمة فى الحوار كتابة. مع الرجال يجرى النقاش، ومن النساء تلقيت أول مساهمة فى الحوار حول رؤية كل طرف للآخر، الرجال للنساء والنساء للرجال.

يسعد «الشروق» نشر مساهمة السيدة نانيس خليل صديقة «انطباعات الشروق» والتى تعيش متنقلة بين مدن عربية ناطقة بالتاريخ والمعطرة بعبق واقعية فريدة فى نوعها تمارس نانيس نشاطها المتنوع بصفتها سيدة عاملة فى شركة متعددة الجنسية وعائلة لأسرة وربة بيت وسيدة مجتمع.
ج.م.

***

اقتربت من طاولته فألقى على التحية فى عجالة وهو يهمس: اجلسى يا عزيزتى، فأنا منشغل بمتابعة حوار مثير. حكى لى صديقى عما دار قبل أيام فى هذا النادى بين شابين وفتاة على الطاولة المقابلة من حوار حول الرجل الذى يحملق وهو ينظر إلى المرأة، وكيف فسر أحدهم الحملقة بالرغبة فى استكشاف مواطن «ضعفها»، وما ذكر فى اللقاء عن أن المرأة ترى نفسها وقد أصبحت أسيرة لمجتمع ذكورى تحكم فيها منذ قديم الأزل.
تساءلت: «وهل لا تحملق المرأة فى الرجل؟ بل وهل لا يحملق الرجل فى رجل آخر؟» قاطعنى صديقى بقوله، لكن المقارنة مخلة! فنحن هنا نتحدث عن كيف أن المرأة عندما تنظر إلى نفسها فى مرآة فهى ترى نفسها من خلال عينى رجل. هذا العالم الذكورى القاسى يحكم على المرأة ظاهريا، وفى معظم الأحيان من النظرة الأولى.
***
دعنى يا صديقى أحكى لك عن تجربة مررت بها قد تروق لك. كنت أعمل فى أوروبا عندما سمعت أن معرضا للفنون بعنوان: المذكر (La Masculine) سوف يطوف بمدن أوروبية متعددة. أثار فضولى العنوان وما سمعت وقرأت من إطراء على ما بذل من مجهودات لجمع وعرض أنواع مختلفة من التعبير الإبداعى فى موضوع المعرض، فقررت أن أقضى صباحا باريسيا غائما بين أروقة متحف دورسيه (D’Orsay) والذى كان يستضيف المعرض فى ذلك الوقت. لن أدعى هنا يا صديقى أننى من الخبراء فى تاريخ الفنون ولن أضجرك بالمناقشة الفلسفية الجدلية حول اختيار هذا العنوان تحديدا بدلا من استخدام «الرجولة» أو «الرجل». لكننى سأعترف لك بلا خجل أننى وعلى الرغم من أننى امرأة ناضجة شعرت بعد قضاء ثلاث ساعات فى هذه التجربة أننى كنت فى رحلة استكشاف غير محسوبة على كوكب آخر. أن تنظر امرأة، بل وتحملق أحيانا، فى الجسد الذكورى لساعات فترى جمالا وقوة وعنفوانا وانكسارا وضعفا ووحدة وبطولة وخوفا وحيرة فى بيئة آمنة ومستنفرة للعقل والوجدان لهو أمر نادر وشخصى جدا، خاصة إذا كانت المتفرجة امرأة شرقية. لا أدعى أننى بعد هذه التجربة قد فطنت لماهية الرجال ومعنى الذكورة فى عالمهم. لكننى بالتأكيد خرجت منها بتعاطف كبير وربما تقدير مختلف للرجل كروح وجسد. الرجال حقا مساكين.

***

لقد صنع الرجل أزمته بنفسه. سيطر على المجتمع والفن والتاريخ منذ قديم الأزل حتى أن لوحات وتماثيل العظماء صورت الإله فى صورة رجل. ارتبطت معنى الذكورة والرجولة بكمال البنيان والقوة والجاه فهذه أسلحته فى معركة البقاء. الرجل، فى رأيى، يرى رجولته وذكورته من وجهة نظر وظيفية. ذلك لأن قدرته سواء كانت بدنية أو مالية أو اجتماعية هى التى تحدد مكانه وترتيبه بين سائر الرجال. فإن كان أقوى استطاع أن يبقى وأن يفوز وأن يؤثر. هذا أيضا ما يجعله مرغوبا لدى جنس النساء، فتتعزز «رجولته». أعرف أنك قد تخالفنى الرأى، لكن اللغة يا صديقى كاشفة. فالمرأة لا تعجز إن تأثرت جسديا أو ماديا، لكننا نشهر كلمة العجز سيفا فى وجه الرجل إذا لم يكن وظيفيا فى مستوى الأقوياء من أقرانه.

***

ذكرت لك أننى خرجت من هذا المعرض بتعاطف كبير.. أتعرف لماذا؟ لأننى تأثرت كثيرا بالأعمال الفنية الأكثر حداثة والتى تناولت جسد الرجل بضعفه ورقته واختلافه وتحولاته. رأيت العالم من خلال عيون هؤلاء الرجال. تسللت تحت جلدهم وأحسست بخوفهم: خوفهم من أن يكتشفهم «آخرون». فالرجال فى واقع الحياة ليسوا أبطالا فى أساطير إغريقية. ربما يكون الخوف ذاته هو الذى يحرك رغبتهم فى الانتصار على كائن اسمه المرأة وبإثبات النقص فى كمالها هى أيضا وبكشف ما تخفيه المساحيق.

***

كنت متأكدا أن حديثك «المتعاطف» مع الرجل لابد وأن ينتهى بصفعة كبيرة لكبريائه. لكننى لا أنكر أن فى طياته حقيقة تعذب رجالا كثيرين خاصة فى مجتمعنا. فعلى الرغم من أن الرجل والمجتمع بأسره لايزال يرى المرأة من خلال نظرة ذكورية ضيقة، فإن شيئا جوهريا قد تغير. فالمرأة أيضا أصبحت قادرة. لم يعد الرجل يلعب دور «رب الأسرة» المعتاد والرجل الأوحد. وبينما هو متشبث بذكورته التقليدية والتى أصبح من الصعب مجاراة معاييرها فى ظل التغيير الذى أصاب كل شىء تقريبا، سبقته المرأة فى صلابتها وقدرتها على الكسب وإحداث التغيير. لقد قطعت المرأة آلاف الأميال، بينما خطا الرجل خطوة.

آه لو يعرف أن من تبحث عنه ليس إلهًا، وإنما هو رفيق وشريك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف