الأهرام
د/ شوقى علام
تطبيق الشريعة (4) .. الأحكام المراد تطبيقها
تتنوع أحكام الشريعة الإسلاميَّة بحسب المخاطب بها ما دامت قد تحققت فيه الأهلية التكليفية، فهناك أحكام مطلوبة وجوبًا من كل فرد مسلم، وهي «فروض الأعيان» كالصلوات الخمس والصيام وغيرها، وهناك أحكام تتوقف مطلوبيتها على إقامة البعض لها وإن خوطبت بها الأمة جميعًا، وهي «فروض الكفايات» كصلاة الجنازة والولايات العامة وتعلم وتعليم العلوم المتنوعة والصناعات المختلفة، كما أن هناك أحكامًا خاصة تتعلق بالنوع كالرجل أو المرأة، أو بالرتبة كولي الأمر والشخصية الاعتبارية.

وتلك الأحكام بأنواعها تندرج تحت الأحكام التكليفية العمليَّة بحسب أبوابها المتنوعة من عبادات ومعاملات وأحوال شخصية وجنايات، وهي بذلك - على سبيل الإجمال - مخاطب بتطبيقها والعمل بما فيها كل مسلم وفق الحيثية التي خاطبه بها الشرع الشريف ولا تختص بأحد دون أحد، ويترتب على عدم الانصياع لها وعصيانها وقوع العاصي وحده تحت وعيد الله تعالى، ولا يكون ذلك إلا من باب التقصير في الامتثال لأمر الله تعالى، ولا يجوز نسبة فاعل ذلك إلى الإشراك بالله تعالى والكفر به ومن ثم يكون الخروج من الملة والدين كما يفعل أهل التطرف كسلفهم من الخوارج. وقد يظهر من ذلك للمتسرع غير المتخصص عدم تطبيق الأحكام، فيطلق الدعوة إلى تحكيم الشريعة الإسلاميَّة والعمل بها في حياة الفرد والمجتمع، وعند أهل الاختصاص يرون تحقق تطبيق الأحكام الشرعيَّة على اختلافها في مصر بعد دخول الإسلام إلى وقتنا هذا على نحو حكيم جعلتها محل «الريادة الدينية العالمية» فهمًا وتطبيقًا في مختلف المجالات، فمن جانب الأفراد ومجموع المجتمع نجد ممارستهم شعائر الإسلام سواء على مستوى العبادة أو الأخلاق أو المعاملات أو العلاقات الاجتماعية والأسرية بكل اطمئنان وأمان وحرية دون إكراه أو فرض نماذج أخرى. من جهة الدولة فإنها قد ميزت هويتها بـ «الإسلام» في الدستور ونظامها العام، وهو قيد لازم مراعى في التشريعات الصادرة عن السلطة التشريعية ـ كما سبق بيانه في مقال آخرـ كما أن الدولة تبذل ما فى الوسع لإتاحة إقامة الشعائر المختلفة بحرية كاملة مع تعليم وتثقيف الأفراد عبر الوسائل المختلفة وبناء دور العبادة والإنفاق والإشراف على ذلك، وكذلك تبنى معاهد العلم وتقيم المؤسسات التى تعمر بالعلماء والطلاب. كما أنها تقيم الأحكام التى خوطب بها الحكام بصورة منظمة فى ضوء التنظيمات العصرية من خلال السلطات والجهات المختصة، ففى جانب تحقيق العدل والشورى تقوم عليه مؤسسات مهمة تتكامل فيما بينها في الاختصاصات والمهام والرسالة، وكذلك الأمر في جانب تحقيق «الحسبة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)» تتكامل في تحقيقه فيما بينها المؤسسات التثقيفية والتعليمية والأجهزة الرقابية والمعلوماتية، والجهات الأمنية والتنفيذية، والمؤسسات التشريعية والقضائية؛ بما يضمن تقويم ومتابعة حركة الناس والمجتمع بشكل دائم ومستمر، ويَحُول دون شيوع تزييف الحقائق وتشويه الهوية والخروج على قواعد النظام العام أو يمنع عموم الفساد والانحراف على قدر الطاقة البشرية. وبخصوص إقامة فريضة الجهاد والدفاع عن الأوطان بأسلوب حكيم، فالجهاد ليس كما يروج أهل التطرف- معطَّلًا، إنما هو منظَّم لا يتخلله أدنى تعطيل أو تقصير؛ لأن قراره يحتاج إلى موازنات خاصة ودراسات حربية وسياسية دقيقة، ولا تزال الدولة تُعِدُّ الجيوش القوية مع حماية الحدود وتأمين الثغور حسب الاستطاعة، فإعداد «قوة الردع» يعتبر أهم من ممارسة القتال نفسه، لأن فيها حقنًا للدماء. وبهذا البيان الإجمالي نظريًّا وعمليًّا للأحكام الشرعيَّة سواء كانت من فروض الأعيان أم من فروض الكفايات أم كان خطابها خاصًّا بولي الأمر أو مؤسسات الدولة يظهر المراد الصحيح لمصطلح «تطبيق الشريعة الإسلامية»، كما يشير أيضًا إلى سمات المصريين وحرصهم على الهوية الدينية والحضارية مزامنة مع عدم التخلف عن الأخذ بمقتضيات العصر وما انتهى إليه التطور في العالم البشري من حولنا، فضلا عن كون واقع هذه التجربة الراقية كاشفا عن زيف شعارات ومرتكزات أهل التطرف والتشدد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف