جمال سلطان
أحذر السيسي من أهل الشر الحقيقيين
من مضيعة الوقت وإهدار العقل أيضا الانخراط في مناقشة مدى شفافية الانتخابات الرئاسية التي جرت في مصر هذا الأسبوع ، وإمكانية القول بأن ملايين المواطنين خرجوا من بيوتهم طواعية وعن طيب خاطر وولاء محض للرئيس السيسي من أجل أن يدلوا بأصواتهم ، فالصورة أوضح من أن تخضع لنقاش أو للبحث عن أدلة ، وإن كان هذا لا ينفي أن نسبة من المصريين تؤيد السيسي وما زالت تؤمن بقدرته على النجاح في إدارة الملفات المعقدة في البلد ، والمسألة بدأت من أول الضجيج الذي صاحب إعلان الفريق أحمد شفيق ترشحه والذي انتهى بترحيله من الإمارات ثم اختفائه ثم ظهوره معتذرا عن الترشح وأنه لا يناسب المرحلة ، كما أن القيادات الرسمية من وزراء ومحافظين لم يتحرجوا من التعري السياسي تماما بإعلانهم عن جوائز ومكافآت لمن يذهب إلى التصويت أو إعطاء القرى والمدن التي تكون نسبة التصويت فيها اعلى الأفضلية في توصيل البنية الأساسية لها من مياه شرب وصرف صحي ، أو تحفيز الكنائس برصد أموال كبيرة ، أو الإعلانات المتكررة بصيغة التهديد والوعيد بمعاقبة من لا يصوت في الانتخابات بتغريمه خمسمائة جنيه وربما قطع عيشه هو وأولاده بوقف البطاقة التموينية ، فضلا عن تطوع بعض المجاملين بحشد البسطاء مقابل دعم عيني أو نقدي ، وكان مؤسفا أن تتحدث النيويورك تايمز وغيرها من الصحف العالمية عن "ثلاثة دولارات" ثمن الصوت .
الصراخ والتوتر والهوس الشديد الذي ظهر منذ النصف الأخير لليوم الثاني واستفحل في اليوم الثالث والنداءات الملحة للمواطنين بالذهاب إلى اللجان يكشف عن أبعاد ما جرى من نسب تصويت متدنية بدون حاجة إلى شروح وتفاصيل ، ومن الصعب أن يصدق أحد في العالم كله أن نسب التصويت في اليوم الأول والثاني ، الأكثر أهمية وحشدا بداهة ، تتراوح بين 12% و13% ، ثم هي تقفز بصورة طبيعية تماما وعفوية تماما في اليوم الأخير لتصل ، حسب ما نشرت صحف حكومية قرابة 40% ، من احتقار العقل أن نعرض عليه هذا الكلام .
مشكلة ما جرى ، أنه سيفرز لنا وضعا سياسيا أسوأ بكثير مما كان في السنوات الأربع الماضية ، وسيكون التوتر الرسمي أعلى بطبيعة الحال ، لأن الهوة اتسعت بين الشعب وبين القيادة ، والقيادة السياسية دائما بحاجة إلى دعم وسند لخططها ومشروعاتها وخطواتها في اي مجال ، وعندما يضعف هذا الدعم من الداخل فإن هذا يجعل القيادة تحت ضغط خارجي أكبر وأكثر تأثيرا على مصالح الوطن وأهله ، كما أن هناك بعض الدهاقنة ومحترفي ترويض الرؤساء ومغازلتهم ، فتحوا مبكرا جدا مطلب تعديل الدستور لمد فترات الرئاسة ، أو لتعديل مدتها ، وهو ما يحظره الدستور الحالي ، بل إنه نص على أن المواد المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية لا يجوز تعديلها ، وذلك تحوطا من هذه اللعبة التي فعلها كل من سبقوا بعد أن استرخوا على الكرسي ، فلا أحد ممن سبقوا في حكم مصر ترك الكرسي طواعية ، ولدينا في مصر تراث عريق في النفاق السياسي وصناعة الفراعين ، ولدينا طابور طويل من خربي الذمم من الذين لا يترددون لحظة في تخريب البلد ومستقبله بالكامل مقابل أن يحظوا بالمكانة عند السلطة أو يغنموا شيئا من مغانمها ، مع الأسف .
لا أنصح الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يستمع إلى هؤلاء الكهنة الفاسدين ، ولا أن يستجيب لدعواتهم التخريبية الخطيرة ، فهم لا يعملون من أجله بل من أجل أنفسهم ، وهم سيفعلون ذلك مع من يأتي بعدك كما فعلوه مع من كان قبلك ، لا يهمهم أن تحترق أنت أو تحترق البلد أو تتفجر الفتنة فيها ، طالما مكاسبهم الشخصية المالية والسياسية والوجاهية ستتعاظم ، ولتذهب مصر بعد ذلك إلى الجحيم ، لا تستمع إليهم ، هؤلاء أخطر عليك من أي معارض لك أيا كان ، هؤلاء أهل الشر الحقيقيون ، وأغلبهم ملوثون ، وملفاتهم منظورة أمام القضاء حتى الآن في وقائع فساد ونهب المال العام .