يحتفل أقباط "مِصر" غدًا بـ"عيد أحد السَّعَف" أو"عيد الشعانين". و"شعانين" كلمة مشتقة من "هُوْشَعْنا" الآرامية التي تناظرها لفظة "أُوصَنّا" في اليونانية. أما عن معني لفظة "هُوْشَعْنا"، فهي تتألف من مقطعين: "هُوْشَع" الذي يعني "خلِّص أو أَنقِذ"، و"نا" الذي يدل علي شدة الاحتياج؛ ليكون المعني: "خلِّص الآن".
وقد تردد نداء "أُوصَنّا" في أثناء دخول السيد المسيح إلي مدينة "أورُشليم" ("القدس")، راكبًا علي جحش بعد أن وضع تلاميذه ثيابهم عليه إلي أن دخل المدينة؛ أمّا الجُموع فنري منهم: من فرش ثيابه في الطريق، ومن قطع أغصان الأشجار وفرشها أمامه، وبعضهم أمسك بالأغصان احتفالاً به كعادة استقبال الملوك والزائرين تعبيرًا عن محبتهم وإكرامهم. وكان الجميع بصوت عظيم اهتزت له مدينة "أورُشليم" يصرخون: "أُوصَنّا لابن داود! مبارك الآتي باسم الرب! أوصنا في الأعالي!"، إذ كانت أغلبية الشعب تعاني قسوة الاستعمار الرومانيّ من جهة، وتقاسي حياة متردية وفقرًا شديدًا من جهة أخري، فظنوا أن السيد المسيح قد جاء مخلِّصًا لهم من كل هٰذا، في حين رسالته لم تكُن هٰكذا، بل جاء مخلِّصًا روحيًّا، فهوالذي أعلن: "مملكتي ليست من هٰذا العالم"؛ فقيادته لجميع البشر قيادة نحوالسماء والأبدية، معلِّمًا بأعماله وكلماته حياة البر والتقوي التي بها يحيا الإنسان في العالم. لذٰلك لم يهتم السيد المسيح أن يماثل في دخوله "أورُشليم" عظماء العالم وملوكه وأبطاله الذين كانوا يدخلون في شموخ ومجد يمتطون الخيل، بل دخل في تواضع ووداعة علي جحش، راسمًا الاتضاع طريقًا إلي الملكوت السمائيّ والعظمة الحقيقية، الذي يراه العالم نوعًا من التقليل لا يناسب شأن عظمائه. إلا أننا بنظرة عميقة في حياة عظماء البشر الحقيقيِّين، نجد العظمة والإنسانية تتعانقان في طريق الحياة: فكلما ازدادت إنسانية البشر، ناهضين بإخوتهم في البشرية، محاولين تخفيف آلامهم وخدمتهم، عظُموا وعلا قدرهم أمام الله والناس. رأيت صورة تظنها أول وهلة أنها لامرأة فقيرة بلا مأوي، ثم تكتشف أنها صورة رئيس الجمهورية الفنلندية السابق: السيدة "تاريا هالونين" (2000- 2012م) التي كانت بلادها في أثناء حكمها علي قائمة أفضل دُول العالم: في التعليم، والصحة، والبنية التحتية، وحصلت شركاتها مثل "نوكيا" وغيرها علي المراكز العالمية الأولي. كانت الصورة دعاية للسيدة رئيس الجمهورية تهدف إلي التخفيف من معاناة الفقراء والمحتاجين، حيث كانت مرتدية ملابس قديمة، وجالسة دون مأوي عدة ساعات لتشعر وتُشعر الآخرين بمأساة المعوزين والفقراء!! وهٰكذا بتواضع ومحبة حقيقيَّين قدمت إحدي مشاهد الإنسانية. ما أعظم أولٰئك البشر الذين أدركوا سر الحياة وعمق الإنسانية!!