الوطن
عبد العظيم درويش
حتى لا تصبح مهمة الوزير «إحضار الفول والبليلة»..!
«لسانك حصانك..» مثل شعبى يدعو أى شخص إلى التفكير قبل أن ينطق بأى كلمة وإلا وقع فى الخطأ، فما بالك بـ«المسئول» -وبخاصة فى موقع وزارى- الذى يجب أن يتوخى الحذر قبل أن يبدأ أى حديث تجنباً للخطأ الذى ربما يؤدى به إلى إلحاق تعبير «سابقاً» باسمه مثلما جرى مع العديد من مسئولين سابقين كان «الجلوس فى البيت بالبيجاما» مصيرهم فى النهاية..!

ليس المقصود بتوخى الحذر هنا أن يقدم المسئول على النفاق أو يقول ما لا يقتنع به، أو يخفى ما يدور فى عقله.. بل إن المقصود فى هذه الحالة أن يختار الكلمات التى تعبر عن رأيه دون توجيه أى إهانة لمن يستمع إليه.. فلغتنا غنية للغاية بالكلمات التى يستطيع أن يعبر بها كل منا عن رأيه بكامل الحرية دون الوقوع فى مستنقع «الخطأ والإهانة» ووقتها لن ينفع «نفى المسئول ما نطق به» كما اعتدنا أو الادعاء بأن «تصريحاته» قد نزعت أو اجتزئت من سياقها.

وإذا كان على الجميع احترام جميع مؤسسات الدولة دون توجيه أى إهانة لها خاصة ونحن نعيد الآن بناء الدولة ومؤسساتها فما بالك بوزير اُختير فى منصب سياسى ليكون ضمن هذه المؤسسات، مما يستوجب عليه تحمل كامل المسئولية دون أى استخفاف.

ففى سابقة ثانية لم يجد وزير التنمية المحلية اللواء أبوبكر الجندى تعبيراً عن رفضه مطالب بعض النواب سوى أن يقول: «كلما أمشى داخل البرلمان يعطينى النواب ورق توصية للتعيينات، لكننى حين أذهب لمكتبى أرميها فى الزبالة».

تعبيرات الوزير أثارت غضب النواب الذين تقدم عدد منهم ببيانات عاجلة إلى رئيس المجلس مطالبين بضرورة استدعائه للبرلمان، عقب الانتهاء من الانتخابات الرئاسية لتوضيح موقفه من هذه التصريحات.. بينما هدد بعضهم بتقديم استجوابات لسحب الثقة منه خاصة بعد أن اعتبروها بمثابة تهرب من المسئولية، وتمثل استخفافاً غير مقبول من جانبهم.

لم يشفع لـ«الجندى» محاولة نفى هذه التصريحات بادعائه: «أنه تم اجتزاء جزء من سياق كلامه، حيث إنه كان يقصد بحديثه نواب المحسوبية»، وأنه يكن كل التقدير والاحترام لنواب مجلس الشعب، وخير دليل على حديثه أنه يتلقى جميع الطلبات من أعضاء البرلمان ومكتبه مفتوح لهم.

محاولة «الجندى» هذه قوبلت أيضاً بعاصفة من الغضب، إذ أكد النواب أن البرلمان يقف بالمرصاد أمام المحسوبية والفساد.. وأن تصريحه الأخير يمثل استمراراً لـ«سقطات الوزير وزلات لسانه المتكررة، التى لن تمر مرور الكرام هذه المرة»! لم تكن سقطة «الجندى» هى الأولى، إذ سبق له أن وجه إهانات بالغة لمواطنى الصعيد فى مداخلة ببرنامج تليفزيونى فى اليوم الأول لتوليه موقعه الوزارى، إذ قال: «لدىّ وسائل لتشجيع الاستثمار علشان نخلق فرص عمل، ونبطل الصعايدة يركبوا القطر وييجوا هنا القاهرة يعملوا لنا عشوائيات»، وهى التصريحات التى أثارت الكثير من الجدل والانتقادات مما اضطره للاعتذار فى مداخلة أخرى: «باعتذر للمرة الثانية والثالثة، لكل واحد من أهالى الصعيد، إن كانت تصريحاتى فهمت بطريقة خاطئة».

يبدو أن وزير التنمية المحلية اعتاد السقوط الدائم فى الخطأ ثم الاعتذار، إذ قدم «الجندى» يوم الأحد الماضى اعتذاراً للدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب، وكل نواب البرلمان، عن استخدامه لبعض الألفاظ التى كانت إساءة فى التعبير.. ليعد هذا الاعتذار الثالث للوزير خلال شهرين فقط من توليه المسئولة..!

التصريح الصادم لوزير التنمية المحلية يأتى فى سلسلة العديد من التصريحات غير المحسوبة لوزراء على مدار السنوات الماضية والتى أثارت الكثير من الجدل وتسببت بعضها فى إقصائهم من مناصبهم.. إذ نسب لوزير التربية والتعليم خلال حوار مع صحيفة قومية قوله إن «نصف الوزارة حرامية والنصف الآخر حرامية ومش كفء».. وهو ما أثار غضب جميع العاملين بالوزارة، ليعود الوزير إلى نفى هذا التعبير «لم أقل ذلك»!

فى واقعة أخرى اضطر معها رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل إلى إقالة وزير العدل أحمد الزند من منصبه على خلفية «زلة لسان» حدثت خلال مشاركته فى «برنامج توك شو» ووجه فيها إهانة إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ورغم اعتذار «الزند» فى نفس الحلقة «استغفرت الله والنهارده هختم هذا الحديث بأنى أستغفر الله العظيم، مرات ومرات ومرات، ويا سيدى يا رسول الله، جئتك معتذراً»، إلا أن هذا لم يخفف حدة الغضب الشعبى ضده وانتهى الأمر بإقالته.

ويبدو أن وزراء العدل لهم نصيب كبير من الوقوع فى خطأ توجيه الإهانات فقد سبقه المستشار محفوظ صابر للمصير نفسه الذى استقال على خلفية الغضب الذى أثارته تصريحاته عن أنه لا يمكن لأبناء عمال النظافة اعتلاء منصة القضاء.. أما وزير الثقافة الأسبق الدكتور عبدالواحد النبوى فقد أقيل من منصبه عام 2015 إثر اتهام أمينة متحف محمود سعيد بالإسكندرية له بأنه أحرجها لزيادة وزنها، وأنه قال لها «محتاجة تخسى شوية.. عندى مشكلة مع التخان» وهو الأمر الذى اضطر رئيس الوزراء إلى إقالته.

وإذا كان المثل الشعبى يؤكد: «إن صدر العيب من أهل العيب فهو ليس عيباً» فإنه ينطبق تماماً على «فتى ماسبيرو الأول» صلاح عبدالمقصود وزير الإعلام بالصدفة وقت اختطاف «الإخوان الإرهابيين» مصر، إذ كانت أبرز مواقف وقاحته ما قاله أثناء استضافة المذيعة السورية «زينة اليازجى» له حيث قال فى بداية اللقاء «أتمنى ألا تكون أسئلتك ساخنة مثلك»، مما اعتبرته المذيعة تحرشاً لفظياً فردت عليه «أسئلتى هى الساخنة ولست أنا». أما التعليق الأشهر له فكان عندما سألته صحفية فى مؤتمر صحفى: فين حرية الصحافة؟ وفوجئ الجميع به يرد عليها ويقول «ابقى تعالى وأنا أقول لك فين» وهو الرد الذى يحمل إيحاءً جنسياً واكتسب به لقب «الوزير المتحرش»..!

يبدو أنه بات من الضرورى إخضاع الوزراء بعد اختيارهم إلى دورة تدريبية حول كيفية مخاطبة الرأى العام واختيار الكلمات حتى لا تكون مهمة الوزير فى النهاية هى إحضار «الفول والبليلة» كل صباح والمرور فى شقته لإطفاء الأنوار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف