نصرة قوية يديمها علينا وألف سلامة وألف سلام، رحنا وجينا، ربنا سابل ستره علينا وألف سلام.. وحصوة فى عين اللى ما يصلى على حضرة النبى، وصباح النصر لمصر، وصباحية مباركة يا عروسة، وصباحى قاعد فى بيته وبناقص صوت من بعد ما توِّت (خليك بالبيت) ضمن مائة ألف تويتة يصدرها الحاقدون يوميًا بهدف التشكيك والتنكيل وتجنيد الشباب وتشويه البلاد وذر الرماد وتشتيت العباد وترسيخ الفساد.. يقعد فى بيته صبّاحى يعض أصبع الندم. أصبع معارضة للفت النظر كتب به دعوته الخايبة، بينما ملايين الأصابع توَجت هاماتها بحبر اللجان الانتخابية وألف سلامة وألف سلام، خرجنا خلاص من عنق الزجاجة، والمستقبل واعد، والفترة الصعبة انتهت وآن أوان قطف الثمار.. ألف سلامة لشعب واع حاسس بالمخاطر. شعب حاولوا يعلموه ظلام المقاطعة علمهم معنى أنوار المشاركة.. إيه الجينات العظيمة دية!!.. الناس واعية وأجهزة استشعارها شغّالة ومش محتاجة حد يسخنها.. وواحد رفع علم رابعة أكل علقة تكسير رباعى النغم.. طابور اختيارى فرحان من قلبه، يهتف بعزم قوته، يخترع مظاهر فرحته، يرقص من فرط نشوته،
يساعد عجوز تدفعه العجلات يشارك بصوته كمواطن محسوب له ألف حساب فى المائة مليون.. طابور بلدنا اختيارى، والمقهورين لهم أيضا طابور، وهناك من ينتظرون وطنًا لا يأتى لكنهم مزروعين فى الطابور.. طابور عيد تلبس له جديد فى جديد تتمنى له يطول ويطول ويطول أميال بطول البلاد وعرضها.. طابور شرفها وعرضها.. طابور بلدنا صففناه واصطفيناه، مواطنة ومواطن ووطنى ووطنية، والجو جميل، والتزوير مستحيل، والوقفة سلام وتحية، وبهية فى الطابور تأخذ بثأر شهيد سيناء ياسين، وحفل واقف على حيله ثلاثة أيام، وماحدش يا إخوان ضرب الناس على إيدها.. طابور الكرامة بملء اليقين غير طوابير المذلة والتهجير قسرًا وعنوة وفرارًا ورعبًا من الجحيم إلى غير ذات قبلة ولا وجهة ولا قصد ولا نية.. طابور الوفاء وكثافة التصويت ردًا للجميل.. ليس غيرنا ينقذنا، والخبرة موجودة والقدرة موجودة.. موجودة بكثرة زائدة عن الحد، فقط فى حاجة للترشيد، وأبدًا لن تشرق شمس الحياة فجأة، وإنما تشرق بشموع يوقدها كل منا، ومن جموع الشموع، ملايينها، يتبدى النهار ويبدو الطريق ونسير فى مواكب نور..
شمس الحياة من صنع البشر، وباستطاعة كل منا لو أراد أن يوقد شمعته ليشارك فى مواكب نور.. موسى انتخب فى شارع نوبار بمدرسة عابدين وقال فى الميكروفون: انزلوا علشان دى مصر.. وقبلها غنت نانسى عجرم: هى دى مصر المحروسة مش أيها مصر.. بلدك اللى فيها مالك وولدك.. مصر لها ثقل كبير.. كلنا محمد صلاح فى مجاله.. لأجل استكمال ما بنيناه.. فقل اعملوا.. صفعة كبيرة لكل إخوانى متربص متفخخ بحزام ناسف حوالين قلبه وعقله ولسانه.. العدو قوى وربنا على القوى.. هو عمل الواجب اللى عليه وعلينا نعمل الواجب اللى علينا..
البورصة لا تكذب وصعودها الخرافى الآن تعبير عن المشهد المصرى المبهر.. المرحلة فارقة رغم الدعاية بأنها مش فارقة.. شيخ الأزهر: على المصريين أن يكونوا على قدر التحدى، والبابا تواضروس: المشاركة تساوى الدفاع عن الوطن.. يد تبنى ويد تدحر الإرهاب، والقنوات كلها بلا استثناء على قد المسئولية.. مشوار فى حب مصر.. بيت العيلة فى كفرالشيخ.. فى القاهرة 25 مليون لكنك فى حاجة لأوتاد الأقاليم.. فى الأقاليم شباب زى الورد.. فى جامعات البحيرة ودمنهور، ولابد من اتجاه الدولة للأقاليم.. وسعوا دائرة الاختيار.. وسعوا القماشة.. قماشة الجيل الجديد.. جيل الاسطوات ينقرض.. خلق قاطرات جديدة للوطن.. وطن مقام الحسين والسيدة والأهرامات والنيل والكرنك وادخلوها آمنين، ولابد أن يضع كل منا وطنه هذا قبل بلدته، وبلدته قبل عائلته، وعائلته قبل نفسه.. المواطن لا يتحرك وحده.. يتحرك داخل جماعة.. الوطنية ليست مجرد شعار أو اعتقاد، إنها حقيقة علمية، غريزة مثل التزاوج والبقاء، حقيقة ما أجدر أن يتأملها أعداء الوطن، وما أجدرنا أن نتأملها نحن أيضًا، نحن الذين نُنادى بالوطنية ونؤمن بها و100٪ نسبة تصويت «الجارة» أصغر قرية مصرية على أرض سيناء.
جريان دم الشهداء على أرض الوطن عقَّم هذه الأرض ضد أعداء الوطن.. إرادة المصرى واقعًا من صنعه وبإرادته الحرة المطلقة التى تأتى بقراره الحر.. وإذا ما كان الإنسان إرادة، فالإرادة قرار، والقرار هذه المرة ليس عاديًا أبدًا، إنه تكون أو لا تكون، إنه واقع صلب مثله مثل كافة حقائق الحياة.. الفارق ضخم ما بين اليوم والأمس. بالأمس مارسنا الاسترخاء فى القاع، والآن أصبحنا كتلة تطفو، وحتمًا تطفو فقد تشابكت الأيدى ليعمل قانون العلم، وليس قانون العواصف اللى يجيب عاليها واطيها، فالعلم يقول كلما كبر الحجم زادت القدرة على الطفو، لنكبر جميعًا لنعيش، ولنتشابك ونتحد، كلنا إيد واحدة.. نعم مصر تستطيع.. كم من مرات خاطبنا فيها ضمير العالم، وكأن للعالم ضميرًا!!.. العالم بإعلامه المتحيز، ومنظماته المتربصة، ومنصاته المشبوهة، وقواه المتصارعة، وجواسيسه المسمومة، وسهامه المصوبة، وأحكامه المسبقة، ونتائجه الملفقة، وتوكيلات حروبه، وتقليبات مخابراته، وتمويلاته المشبوهة، ودفاعاته المرتزقة، لن يصبح معنا أبدًا أبدًا أبدًا إلا بعد انتصارنا.. تعالوا إلى كلمة سواء.. الشعب العظيم. الشعب الكريم. الشعب الطيب. الشعب المتحضر. الشعب العريق. الشعب المعلم. الشعب الـمُلهم.. باسم الشعب ازرع الأرض مشاركة.. باسم الشعب علىّ البناء وإيدك فى إيدى نعدّى القنا.. صورة سلفى بالحبر الانتخابى ليقول حفيدك جدى شارك فى انتخابات 2018.. الدائرة تدور لمصلحة البلد.. مطلوب قفزات التحدى.. الأبحاث تنام فى الأدراج.. قاطرة التنمية تقوم على البحث العلمى.. نستطيع خلال خمس سنوات، فألمانيا خلال السنوات الخمس قامت من تحت الأنقاض لتصدِّر السيارات.. مطلوب أب شرعى للبحث العلمى بقرار سياسى وسيادى.. فتاوى الإخوان بتحريم الانتخابات إهانة للدين.. العزوف خيانة.. حوّاس قطع رحلته فى أمريكا ورجع للإدلاء بصوته.. و«بشرة خير» و«أبوالرجولة» و«قالوا إيه».. النتيجة محسومة لكن المشاركة ترسّخ المعنى والقيمة وتأكيد الذات.. هنشارك لو هنموت سيساوية بعلو الصوت.. الأسمرات فى طابور الانتخابات.. القصاص للشهداء فى صناديق الانتخابات.. العجوزة تستعيد شبابها.. طوابير عزبة البرج امتدت كيلومترات.. قرية سدود فى المنوفية عروسة.. المزمار والمشلتت فى استقبال وفد مراقبى الكونجرس.. المنصورة منصورة فى بلقاس والسنبلاوين وميت غمر وبنى عبيد.. الشرقية مية مية.. الغربية تعظيم سلام.. التصويت فى درجة 45 بأسوان وشلاتين والوادى الجديد. وسيناء من الفجر رايحين.. الدى جى يجوب الإسماعيلية.. ورقصات فى السويس على أنغام السمسمية.. الجيش فى الميدان واحنا فى اللجان.. حتى لا تضيع دماء أبنائنا.. الصغار فى الطابور درسًا سياسيًا فى أداء الواجب الوطنى.. مصر تستطيع.. مصر تستحق، والقادم أحلى.. و.. المرأة المصرية عامود الخيمة ووتد الوطن ورمانة الميزان.. ليس الآن فقط، وإنما من زمان الزمان ليقول عنها أحمد شوقى:
مصر تجدد مجدها بنسائها المتجددات
النافرات من الجمود كأنه شبح الممات
ولما خُضن القضية كن خير الحاضنات
غذينها فى مهدها بلبانِهنّ الطاهرات
ينفثن فى الفتيان من روح الشجاعة والثبات
خذ بالكتاب، وبالحديث وسيرة السلف الثقات
وارجع إلى سنن الخليقة واتبع نظم الحياة
هذا رسول اللـه، لم ينقص حقوق المؤمنات
العلم كان شريعة لنسائه المثقفات
رُضنَ التجارة والسياسة والشئون الأخريات
ولقد علت ببناته لُجج العلوم الزاخرات
كانت سكينة تملأ الدنيا وتهزأ بالرواة
روت الحديث وفسرت آى الكتاب البينات
وحضارة الإسلام تنطق عن مكان المسلمات
اللـه أنبتهنَّ فى طاعته خير النبات
فأَتين أطيب ما أتى زهَرُ المناقب والصفات
أقبلن يَبنين المنائر للنجاح موفقات
أُدع الرجال لينظروا كيف اتحاد النابغات
المحصنات المتعاونات الشاعرات بلا حب لذات
هذا مقامُ الأمهات فهل قُدرّت الأمهات؟!
زين المقاصِر والمقاصِد وزيْن محراب الصلاة
مـــا يــأتى به الـقـهــر
عندما تُبهرنى شخصية بأدائها ودأبها وعطائها، تاريخية كانت أو عصرية، أجد قلمى يغازلنى من بعيد، يقترب ناحيتى يتمسح فى ذراعى، وينضو عنه غطاءه، ويتدحرج برشاقة ليتمركز بين أصابعى فى وضع الاستعداد لملاقاة أوراقى البيضاء، ليغدو سفيرى فى نقل مشاعرى الجياشة تجاه إنسان ما، قد لا يقرأ ما كتبته عنه بدوافع اهتمامى وشغفى، بحكم الفاصل التاريخى فيما بيننا، وقد يكون هنا على مسافة دوران عقارب الساعة فيشاركنى حوارًا، ويؤكد تواريخ، ويكشف عن بعض ما كنت قد أغفلت عنه.. ويشكرنى.. وقد لا يعيرنى انتباهًا، فأختلق له عذرًا بأنه لم يجد وقتًا ليقرأنى، أو أنه مخاصم للصحف.. وربما يكون له الحق؛ أو أنه على سفر، أو على مضض.. وعندما أغلقت قلمى المرهَق من بين أصابعى المرهقة وتنفست الصعداء بعدما استعرضت تاريخ وأعمال وعطاء ومكانة طبيب القلب العالمى المصرى مجدى يعقوب لم أسمع من بعد النشر له صوتًا، ولم تصلنى منه كلمة مدحًا ولا قدحًا، وإنما أتانى صوتها حلوًا مغردًا مجاملا دافئًا يمدح جهدى بالنيابة عن العالمى المشغول الذى تشغل هى منصب المدير التنفيذى لمؤسسته الطبية فى أسوان على مدى ثمانى سنوات حققت فيها رقمًا غير مسبوق من تبرعات المصريين بلغ مئات الملايين.. أنيسة عصام حسونة الكاتبة والباحثة السياسية والنائبة بمجلس النواب كريمة وزير العدل فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، الذى يعود إليه الفضل فى أنه صاحب قرار إلغاء تنفيذ حكم الطاعة بالقوة الجبرية.. وشعرت بمجاملتها من موقعها كمثل باقة ورد ترسلها سكرتارية السيد الوزير فى المناسبة السعيدة، أو كنتيجة وأجندة السنة الجديدة، أو كبرقية العزاء الروتينية التى لا يعنى سيادته من الأصل بخبر وفاة صاحبها.. ولم ألتق بالإنسانة العذبة إلا أخيرًا بمناسبة احتفاء الكاتبة الصحفية اللامعة أمل فوزى رئيس تحرير نصف الدنيا ببعض الرموز النسائية، وإن كنت متابعة لها مستمتعة بحيويتها وإنجازاتها وآرائها الشجاعة على الشاشة الصغيرة.. واكتشفت عندما استغرقتنى قصتها بالغة التأثير والتأثر مع السرطان «بدون سابق إنذار» أن بيننا خيط مودة دائم الاتصال عن بُعد. وأن ذلك القهر الذى تعرضت له خلال العام الماضى داخل مؤسستى الأهرام وكان سببًا فى دخولى غرفة العمليات على وجه السرعة لزرع خمس دعامات جديدة لشرايين القلب المفتوح مسبقًا، كان مثل ذلك القهر والضغط النفسى والعصبى اللذان تسببا فى إصابة أنيسة خلال ثمانية أشهر بأشد أنواع السرطان شراسة ليقول طبيبها المعالج: «هناك فى جسم الإنسان أكثر من جدار للمناعة، والتعرض لضغط شديد الوطأة أو لحزن أو لقهر عميق قد ينعكس جسديًا بإسقاط أحد جدران المناعة فيسهل اختراق نظام المناعة وبالتالى الإصابة بمرض السرطان».. وكانت أنيسة قد طُلب منها فجأة فى العام الماضى وسط دوران دولاب النشاط الخيرى المكثف التقدم باستقالتها من منصبها فى مؤسسة مجدى يعقوب: «وفى دهشتى للأمر قلت بأننى أتمسك بوظيفتى التى أعتز بها من كل قلبى، وأكدت صادقة أنه إذا ما خُيرّت بين وظيفتى فى المؤسسة وتعيينى فى البرلمان فإننى سأختار دون تردد الموسسة التى أسهمت فى إنشائها منذ اللبنة الأولى، ولذُهولى الشديد رد نائب رئيس مجلس الأمناء: ولكننا لا نريدك معنا.. وما كسر قلبى بالفعل هو أننى رجوت رمز المؤسسة الشهير أن يسمح لى بالاستمرار، لكنه خذلنى دون مبرر، وأحزننى ما بلغنى عنه من بعض فريقه الطبى بأنه لم يكن راضيًا عن تخليه عنى، لكنه اضطر إلى ذلك لضغوط شديدة من عضوى المجلس اللذين تربطهما به علاقات أخرى خارج المؤسسة وخارج مصر.. وانتهى عقدى قبل موعده بـ22 شهرًا مع امتناعهم عن صرف مستحقاتى حتى هذه اللحظة مما أعتبره ظلمًا شديدًا».. وتضيف أنيسة: «وزاد من ألمى قيام الموسسة بضغوط شديدة ومستمرة هدفها أن أقوم بإصدار بيان يعلن أننى من قررت الاستقالة من تلقاء نفسى مما يُظهِّر للرأى العام بأننى ضحيت بعملى الخيرى للذهاب لمجلس النواب وذلك للحفاظ على صورة المؤسسة الخيرية، معلنين بوجه مكشوف أننى إذا ما فعلت ذلك فسيقومون بصرف كل مستحقاتى. وفوضت أمرى للـه، وقد تأثر البعض من رفقاء العمل فتركوا المكان من بعدى بشهور»..
وإذا ما كانت قصة أنيسة مع المرض العضال لم تغب عنى سطورها وقت قراءتها وبعدها، فسيظل بعضٌ من فقراتها الغائرة فى بوتقة الشجن مُلازمًا خاطرى لما وجدته فيها مثيلا لما مرَّ بى..
«قضية أفكر فيها كثيرًا، وهى اعتقادنا أننا محور الحياة، وأنها لن تستمر بدون وجودنا فيها، والحقيقة الصادمة أن الحياة لا تتوقف عندنا أو عند أى شخص آخر مهما تكن غلاوته ومكانته، فأشياؤنا تعيش وتستمر بعدنا بكثير، وقيمتها المادية تزيد كلما زاد عمرها، بعكس الإنسان الذى عادة ما تقل قيمته ودوره كلما مر عليه الزمان، فالإنسان يتم استهلاكه سريعًا، بينما الكثير من الأشياء تبقى على حالها، وبالتالى فإننا نشترى تلك الأشياء ونتفاخر بها أمام بعضنا البعض ليرثها غيرنا فى نهاية الأمر»..
وكانت أنيسة قبل سفرها لإجراء جراحتها قد ذهبت برفقة زوجها لزيارة الدكتور على جمعة مفتى الديار السابق للدعم المعنوى والتشجيع قبل مواجهة رحلتها إلى المجهول فى ألمانيا فطمأنها بكلمات طيبة، وأهداها أحد الكتب حول «الهيميوباثى» وهو نوع من أنواع الطب البديل، ناصحًا بقراءته، وأضاف باعتقاده أن المرض قد أصابها نتيجة للضغط العصبى الذى تعرضت له، وأنه سمع مئات القصص المشابهة من نساء طلبن النصيحة بشأن ضغوط عائلية أو مهنية، ونصحها بأن ترمى ما حدث فى المؤسسة وراء ظهرها، وأن تنظر للأمام فقط، واللـه سبحانه وتعالى سيقف بجانبها حتى الشفاء التام، وطلبت منه التكرم بالدعاء فى اليوم المحدد للجراحة..
وتمكث أنيسة من بعد العملية ــ الباهظة التكاليف مما اضطرها إلى بيع شقتها التى ورثتها عن والدها ــ أسابيع طويلة فى المستشفى «وكأننى كنت خارج الزمن فى فضاء ليس له حدود وليس به مرض أو مشاكل، وهذه من مزايا التخدير بأنواعه، لأنه يعفيك من الشعور بالألم ويحملك إلى عالم ساكن هادئ لا تدرك فيه ما يحدث ولا تتذكره بعدها.. وكل ما علمته فى الأيام التالية أننى قد دخلت غرفة العمليات قبل الثامنة صباحا وخرجت منها حوالى العاشرة مساء أى قضيت بها 14 ساعة تقريبًا لا أعرف عنها شيئًا، وكانت مها وسلمى (الابنتان) قد شكلتا مجموعات على الفيس بوك والواتس آب لتكرار ختم القرآن يوم الجمعة عدة مرات بينما أنا فى الجراحة، ولاشك أن دعاء الأصدقاء والصديقات وختم القرآن أكثر من مرة أثناء الساعات الحاسمة التى قضيتها فى غرفة العمليات قد ساندنى ودعمنى، واستجاب اللـه لهم وأخذ بيدى لأخرج على قيد الحياة من هذه الجراحة الخطيرة».. وتسأل أنيسة طبيبها عما يساعد على الشفاء فقال ليس هناك ما يفعله مريض السرطان عادة، فالمسألة ليست بيده، ولكن هناك عوامل مساعدة لخصها فيما يلى:
- التواصل الاجتماعى، بمعنى وجود أشخاص محبين وداعمين يحيطون بالمريض، وتلك المشاعر الدافئة ترفع المعنويات وتساعد على مقاومة المرض.
- الرياضة الخفيفة، مثل المشى لمدة 35 دقيقة على الأقل يوميًا..
- الطعام الصحى المتوازن..
وتقارن صاحبة التجربة القاسية بعد عودتها ما بين أفضل مستشفيات القاهرة بمثيلاتها فى ألمانيا فتقول: «إن مسألة التمريض بها الكثير من الجوانب التى نحتاج لرفع كفاءتها بصورة عاجلة، فاستخدام أطقم التمريض لأجهزة التليفون المحمول فى غرف الانتظار أو الإقامة داخل جناح العمليات يُنظر إليه بوصفه شيئا اعتياديًا وغير مستهجن، كما أن دخول أفراد الأمن لمنطقة جناح العمليات لطمأنة أهل المريض من خلال التحدث مع الممرضات لا يلفت نظر أحد كتصرف خارج عن اللوائح والنظم، وبما أن المريض فى مصر، عكس ألمانيا، يدخل إلى جناح العمليات ثم غرفة الجراحة مستيقظًا وواعيًا لكل ما يحدث حوله، فهو يشاهد كل ذلك بنفسه ويتعود عليه بعد فترة، وربما يضحك منه دون اعتراض، وناهيك عما نعرفه جميعًا من ضرورة (مكافأة) ممرضات الغرف مع كل حركة، وهذا ينطبق على جميع مستشفيات مصر كثقافة مجتمعية متوافق عليها، فالعُرف والمصالح الشخصية المتشابكة أقوى من القانون، بدليل أن الممرضات الأجنبيات الموجود بعضهن فى الكثير من المستشفيات لا يقبلن تلك (المكافأة) وإن كان انضباطهن قد بدأ يتأثر سلبًا بما يدور حولهن!»..
وسعدت بمعرفتها عن قرب.. أنيسة حسونة.. وسعدتُ أكثر بقراءة سطورها التى قالت فى خواتيمها: «لولا ضرورة تناولى للأدوية يوميًا، لكنت قد تناسيت أحيانا أننى مُصابة بنوع خطير من السرطان، فأنا أستمتع باللعب مع أحفادى الذين ينادوننى (تيتة) وأستمر فى الأحاديث الشيقة مع ابنتىّ، وأناكف زوجى فى السياسة والاقتصاد، وأضع خططا مستقبلية للسنوات الخمس التالية، وأنا أعرف فى أعماق قلبى أننى لن أعيش حتى أراها تتحقق! وفى لحظات الضعف والخوف أشدد على زوجى بضرورة التأكد من وفاتى قبل دفنى لئلا أكون وقتها فى غيبوبة أستيقظ منها لأجد نفسى وحدى فى الظلام.. وطبعًا أبتسم ضاحكة بعد قولى هذا لأن شريف يؤلمه جدًا مثل هذا الكـلام».. «وفى جميع الأحوال فإننى لن أستسلم، ولن أرفع الراية البيضاء أمام هذا المرض مهما تكن خطورته.. أنا لم أشبع من أحفادى بعد»!!
خـــــالـد مـــنتصــر
طبعه الملتصق به. مشواره الذى اختاره. نهجه الجاد فى البحث عن المتاعب. سؤاله المشرع دومًا بينما إجابته فى بطن الشاعر. مقر سكنه فى قلب القضية التى يثيرها لتغدو له عنوان إقامة.. محال تطويعه للمكوث جنب الحيط، بينما تكون أجنحته مشرعة لرصد مركز العاصفة استعدادًا للـهبوط غير الاضطرارى.. طبيعته تُغرِّد دومًا خارج السرب.. تتوقف عنده كثيرًا فالدعوة جاذبة ممغنطة، سهلة وميسرة، خفيفة وبسيطة وغير معقدة ولا تحتاج فى الحضور بملابس السهرة.. و..قد تأخذك قناعته وحماسته وقوة حجته وجمال عبارته ودماثة صحبته وإنسانية اهتمامه، وعشقه للعلم، وجدوى استخدام العقل، ورفضه للخزعبلات وبول الإبل وختان الإناث.. تأخذك.. تشدك إلى منطقه لتغدو على شفا مؤازرته ومناصرته وموافقته للدخول فى صحبته من باب العلم.. لكنك.. لكنه.. لكنه ليس العلم وحده هو ذو الثبات فكل يوم يظهر جديد يلغى ما سبقه، وقد يكون الأصل أبلغ نفعًا ومقصدًا، فتستأذن بلا مؤاخذة منه رغم الصداقة والمحبة والمودة والوحشة والإخاء لترتاح ويرتاح عقلك فيما كنت قد استرحت إليه مسبقًا، فيمضى عنك نشطًا متوثبًا حاملا حقيبة السفر شارخًا فى طريق وعرٍ غير آمن، ضاربًا فى سكة اللى يروح مايرجعشى، قاصدًا نهجًا اختاره بكامل وعيه وإرادته وثقافته ووجهة نظره، يطرح من خلاله قضاياه الساخنة اللافحة الملتهبة المدببة المثيرة للجدل غير المرحب به فى دوائر الحوار المحيطة المستقرة..
أحدث قذائف الكاتب المقاتل المعافِر غاوى النكش والتقليب والتحريك والزلزلة والشقاوة والشقاء الدكتور خالد منتصر مؤلف صغير لا يتعدى الـ120 صفحة عنوانه «هل هذه حقًا بديهيات دينية؟» تصدرت غلافه المعبر صورة صخرة ضخمة يحاول شبح زحرحتها عبثًا بحجمه الضئيل المتلاشى، كناية عما يستشعره المؤلف من حتمية ضياع جهده المبذول مقدمًا، وإن كان ظنه ــ على ما أظن ــ أنه يمثل بسطوره قطرات الماء التى تهبط تباعًا فوق الصخر فتشقه فى النهاية، أى تغدو فى النهاية كمثل فأس سيدنا إبراهيم المحطم الأصنام.. صفحات منتصر يقدمها بدعوى أنها محاولة عصف فكرى، وطرح علامات استفهام أكثر منها نقاط إجابة، وأنه مجرد تدريب على أن هناك مناطق فى تراثنا الفكرى لابد من اقتحام أدغالها المتشابكة بجرأة، وأنه فى كتابه الجديد يسير على خطى أساتذة التنوير بلغة بسيطة معاصرة غير لغتهم المتقعرة التى ينفر منها الشباب، ومن مصطلحات التراث المعقدة المهجورة، وأن كتابه محاولة لنزع القداسة عن فزاّعة يرفعها من يجندون شبابنا فى كتائب التطرف، وأنه فى تفكيك هذه الفزاعة ما يجعلنا نقتنع بداية أنه من الممكن مناقشتها.. ولعل فى دماء خالد منتصر إرثًا محمودًا لچينات ورثها عن قاسم أمين محرر المرأة فى القرن التاسع عشر ليحتل مكانته فى العودة لتحريرها فى القرن الواحد والعشرين، فغالبية دفاعاته ومحاولاته المستميتة لتبديد البدهيات تكاد تنصب لنصرة المرأة بأسلوب يمسك بجمر النار بدعوى أنها ليست بدهيات، متخذًا فى ذلك منطقًا يأخذ فيه صفها إلى أبعد حد، وكأنه موكل من قبل جميع النساء ليغدو أفوكاتو صنف الحريم، مثيرًا كوامن غضبها المكتوم، مُؤلبًا أشجانها، مُستعرضًا إحباطاتها، عازفًا على وتر عدم مساواتها، آخذًا بناصية نصرة قضاياها ضد الرجل، مُكثفًا مظاهر اضطهادها، مُستعينًا بآراء أمثاله من المفكرين، مُستعرضًا ما قد يكون قد قيل عنها فى مناسبة دينية خاصة وليس فى العموم، مُتخذًا بأسلوبه العصرى كمثال طرح المعادلة الظالمة بأن أسامة بن لادن وأبوبكر البغدادى وعمر عبدالرحمن والملا عمر أكثر إيمانًا وأرجح عقلا من سميرة موسى وحنان عشراوى وبنت الشاطئ وأمينة السعيد وبى نظير بوتو.. الخ وذلك لأن هؤلاء طائفة من الرجال وهاتيك قطيع الحريم، وأن المرأة ستظل ناقصة عقل ودين حتى ولو كانت عالمة ذرة أو مناضلة سياسية أو كاتبة إسلامية؟! هذا ــ والكـلام لمنتصر ــ رغم أن فى التاريخ الإسلامى أكثر من سبعمائة امرأة كن من راويات الحديث الشريف كما ذكر كتاب الطبقات، وكانت السيدة خديجة بنت خويلد رضى اللـه عنها طَليعة الإيمان بالإسلام، وسمية بنت خياط طَليعة شهداء الإسلام، وقال الرسول صلى اللـه عليه وسلم عن السيدة عائشة رضى اللـه عنها «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء».. وتتوالى الفصول المتسائلة حول شهادة المرأة كنصف شهادة الرجل، ولماذا النساء أكثر أهل النار؟ وقوامة الرجال على النساء، وتعدد الزوجات، حيث يستعرض الكاتب ما قاله الإمام محمد عبده فى هذا المجال فى دروس التفسير التى كانت تدون فى مجلة المنار: «إن تعدد الزوجات محرم قطعا عند الخوف من عدم العدل» وقال: «من تأمل الآيتين (يقصد فى سورة النساء) عَلِمَ أن إباحة تعدد الزوجات فى الإسلام أمر مُضيّق فيه أشد التضييق، وإذا تأمل المتأمل مع هذا التضييق ما يترتب على التعدد فى هذا الزمان ــ وقت الإمام ــ من المفاسد، جزم بأنه لا يمكن لأحد أن يربى أمة فشا فيها تعدد الزوجات، فإن البيت الذى فيه زوجتان لزوج واحد لا تستقيم له حال، ولا يقوم فيه نظام، بل يتعاون الرجل مع زوجاته على إفساد البيت، كأن كـلا منهم عدو الآخر، ثم يجىء الأولاد بعضهم لبعض عدو، فمفسدة تعدد الزوجات تنتفل من الأفراد إلى البيوت، ومن البيوت إلى الأمة».. وينتقل محمد عبده بآرائه خطوة أكبر وأكثر صراحة، حين أباح للمشرع إيقاف تعدد الزوجات فقال «أما جواز إبطال هذه العادة فلا ريب فيه، لأن شرط التعدد هو التحقق من العدل، وهذا الشرط مفقود حتمًا، فإن وجد فى واحد من المليون فلا يصح أن يُتخذ قاعدة، ومتى غلب الفساد على النفوس وصار من المرجّح ألا يعدل الرجال فى زوجاتهم جاز للحاكم أو العَالِم أن يمنع التعدد مطلقًا، مراعاة للأغلب، ولأن سوء معاملة الرجال لزوجاتهم عند التعدد وحرمانهن من حقوقهن، فإنه يجوز للحاكم والقائم على الشرع أن يمنع التعدد وفقًا للفساد الغالب» وأضاف الإمام سببًا قويًا آخر لم يكتب فيه أحد قبله، وهو العداء بين الأولاد من أمهات مختلفات (ضرائر)، وكيف أن هذا يؤدى إلى أحقاد، ويلقى الإمام فى النهاية بقنبلته: «يجوز الحجر على الأزواج عمومًا أن يتزوجوا غير واحدة إلا لضرورة تثبت لدى القاضى، ولا مانع من ذلك فى الدين البتَّة، وإنما الذى يمنع ذلك هو العادة فقط».. ويتساءل خالد منتصر من بعد فتوى الإمام إذا ما كان فى ذلك خروج عن الملّة وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة؟!» ويضع منتصر المفكر عباس محمود العقاد فى خانة الجمود عندما يقول صراحة حول ضرب المرأة «يُباح الضرب، لأن بعض النساء يتأدبن به ولا يتأدبن بغيره، ومن اعترض على إجازته من المتحذلقين بين أبناء العصر الحديث فإنما يجرى اعتراضه مجرى التهويش فى المناورات السياسية» وربما ما جاء فى قول الرسول صلى اللـه عليه وسلم فى صحيح مسلم ما يُثلج صدر المرأة، ويجيب على سؤال خالد منتصر فى أنه ليست جميع ما تحملته النساء من غبن وعناء من البدهيات «من كان يؤمن باللـه واليوم الآخر فإذا شهد أمرًا ليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء خيرًا»، وفى سنن أبى داوود قوله عليه الصلاة والسلام «أطعموهُن مما تأكلون، واكسوهُن مما تكتسون، ولا تضربوهُن ولا تقبحوهُن»، وفى صحيح البخارى «لا يجلد أحدكم امرأة جلْد العبد ثم يجامعها فى آخر اليوم»، وعن عائشة رضى اللـه عنها قولها: «ما ضرب رسول اللـه خادمًا له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئًا».. ولعل فى قول المصطفى صلى اللـه عليه وسلم خير شاهد على تكريمه للمرأة، ووضعها فى منزلة الكنز الثمين: «رفقا بالقوارير»..