الأهرام
د. سليمان عبد المنعم
مجرد تساؤلات
فيس بوك: هل يمكن مقاضاة شركة «فيس بوك» عن أعمال غير مشروعة ترتكب باستخدام وسائلها العنكبوتية؟ عن هذا السؤال يمكن أن تتفرع عشرات بل مئات التساؤلات القانونية. ما حدث مؤخراً فيما عُرف بقضية «كامبريدج أناليتيكا» يعيد طرح السؤال بقوة هذه المرة. فقد فشلت «فيس بوك» فى حماية البيانات الشخصية لنحو خمسين مليون شخص من مستخدميه، ويبدو أن هذه البيانات قد أسيء استخدامها فى حملات انتخابية فى بعض الدول والأهم بالنسبة لبريطانيا التى تفجّرت فيها القضية أنه قد تم توظيفها لمصلحة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى (بريكست). القضية بالغة التعقيد وذات جوانب تقنية وسياسية وقانونية، وتؤذن بنقاش طويل حول ما إذا كان يجب وضع ضوابط قانونية على وسائل التواصل الاجتماعى لكى لا تتحوّل من «هايد بارك» حرية التعبير وتداول الأفكار إلى فضاء إلكترونى غامض يتيح ارتكاب الجرائم وانتهاك الخصوصيات؟.

ثمة أطروحات قانونية كثيرة بدأت تنشغل بالجانب القانونى فى المسألة، لكن إدارة «فيس بوك» غارقة فيما يبدو فى بحث الجوانب التقنية. تقول التحقيقات الأولية إن «فيس بوك» قد تصرفت على نحو غير مسئول بعدما سبق تنبيههم إلى ذلك. إدارة الشركة تحدثت باعتذار عن عزمها تعديل المعادلات الرياضية (الخوارزميات) الأساسية التى يستند إليها عمل الموقع لكى تتفادى ذلك مستقبلاً. وبين نقاش القانونيين والتقنيين يتساءل المختصون بالأمن والسياسة فى أروقة الحكم عن ملامح المستقبل الذى تعد به وسائل التواصل الاجتماعى، وهل تحقّق هذه المنصات الإلكترونية فى الظاهر ديمقراطية التواصل الكونى بين البشر، بينما تختزن فى الباطن إمكانات مخيفة ومقلقة فى استغلال هذه الديمقراطية لمصلحة الأقوياء إلكترونياً؟ هذا يعنى أن القوة الإلكترونية تنافس القوة العسكرية والاقتصادية، لكن من يملك تحديداً مفاتيح هذه القوة الإلكترونية؟ شركات التواصل أم مستخدموها؟ أم تلك الجهات الغامضة مثل «كامبريدج أناليتيكا» القادرة على اختراق الاثنين معاً؟

سر شمال أوروبا: لماذا تتصدّر دول شمال أوروبا معظم قوائم التميز الإنسانى فى مؤشرات المعيشة والتعليم والديمقراطية والسلام والشفافية والسعادة؟ بصرف النظر عن مدى دقة معايير هذه التصنيفات، فالملاحظة اللافتة هى أنه لو تم تجميع المؤشرات المتقدمة التى تحظى بها دول شمال أوروبا فى التقارير الدولية فى شتى المجالات فهذا يعنى أننا أمام ما يشبه المدينة الفاضلة التى تمثلها هذه الدول الإسكندنافية فى شمال أوروبا. تقول التقارير الدولية الحديثة إن أربع دول إسكندنافية تأتى ضمن أول عشر دول فى العالم من حيث جودة المعيشة (ومعاييرها نوعية الحياة، والرعاية الصحية، والأسعار، والملكية، والسلامة، والتلوث). وخمس دول إسكندنافية ضمن العشر دول الأولى عالمياً من حيث أفضل نظام تعليمى، وكذلك من حيث الحقوق الديمقراطية. وأن هناك سبع دول إسكندنافية ضمن العشرة الأولى من حيث الشفافية ومكافحة الفساد، وست دول إسكندنافية من أول عشر دول فى مؤشر السلام. هل حظيت دول شمال أوروبا بهذه المكانة المتقدمة لأنها الأجدر بهمة وأخلاق شعوبها، وإنجازها، ونوعية الإنسان فيها أم لأن الطبيعة قد اختصت هذه المنطقة من العالم بهبات لا توجد فى أماكن أخرى؟ أم هو الابتعاد الجغرافى لهذه الدول عن مناطق الصراع بهمومه وخلافاته واستقطاباته؟

الإرهاب يعظ: من يملك فك شفرة الإرهابيين المتحولين من عيادات الأمراض النفسية وأوكار تعاطى المخدرات إلى عوالم الإرهاب المقبضة المخيفة؟ هذا سؤال محيّر بعدما تم اكتشافه فى الأحداث الإرهابية الأخيرة فى أمريكا وفرنسا وغيرهما. فقد ثبت أن بعض هؤلاء لم يخرج بالضرورة من أحضان تنظيمات دينية ولم يترب تربية دينية وفقهية تمكنه حتى من حفظ القرآن. خرج البعض من عيادات لمعالجة الأمراض النفسية والعصبية، أو من علاقات عاطفية ساخنة، أو من تجارب سابقة لتعاطى المخدرات. هل معقول أن يحدث هذا التحوّل الجذرى والعبثى وبهذه السرعة أم أن هناك أسباباً أخرى لم يُتح لنا بعد معرفتها وبالتالى مناقشتها؟ أسئلة عديدة بلا إجابة شافية أو مقنعة أكثرها حيرةً ما إذا كان بوسعنا الاعتقاد بأن هناك أشخاصاً أو جهات تذهب لالتقاط هؤلاء من عيادات الأمراض النفسية وإخضاعهم لبرامج إعادة تأهيل إرهابى مكثف وسريع؟ .

من أجل الإرهاب. إنه جيل جديد من أكثر الأفكار عبثيةً وأشد الأشخاص جنوحاً وجنوناً. ما زال أمامنا وقت وجهد لسبر أغوار هذا الغموض. يقول الفرنسيون إن لديهم قائمة بنحو عشرين ألف شخص فى ملف الوقاية من الإرهاب كإرهابيين محتملين، وإن مراقبة كل واحد من هؤلاء تحتاج إلى عشرين شرطياً! معنى ذلك أن فرنسا تحتاج إلى 400 ألف شرطى لمراقبة هؤلاء فقط. كان الله فى عون بلد الحرية والإخاء والمساواة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف