من أكثر الموضوعات التى أثيرت أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة هو رقص المصريين خارج مقار اللجان. ولقد تعجبت كثيرا من المعركة التى دارت رحاها على الفيس بوك تارة وعلى المقاهى تارة أخرى، والتى انبرى فيها فريق ضخم ينتقد رقص المصريين فى هذه الأجواء واصفين اياه بالمظهر غير المبرر أمام المارة والغرباء، والذى يعكس صورة غير حضارية لشعبنا إضافة إلى أنه ينتهك الآداب العامة فى الطريق باتباع سلوكيات شاذة على مجتمعنا. الحق ان هذا التزيد لقى هوى الكثيرين وناصره عدد غير منكور من الذين يرفضون حق الناس فى التعبير عن أنفسهم بطريقتهم الخاصة. مادام الناس غير مكرهين على الرقص، فلا يمكن أن نرفض تعبيرا انسانا أصيلا موجودا منذ بداية الخليقة، وتمارسه كل الثقافات والشعوب على حد سواء، وفى كل الأزمنة. لا أعرف لماذا يتضايق الكثير من الناس فى عالمنا العربى من الرقص خاصة من الطبقة المتوسطة. فالفقراء والأغنياء يرقصون بحرية. أفهم أن يتضايق مثلا هؤلاء الرافضون من العرى اذا اقترن بالرقص، رغم ان المصريين لم يزعجهم اظهار أجزاء من أجسادهم فى الشارع أو الحياة العامة من الفراعنة وصولا الى الحوارى فى منتصف القرن العشرين. من المؤكد أن التشريعات الدينية ترفض التعرى، لكنها لم تطبق بشكل دقيق إلا آخر خمسين عاما بمصر. ملابس العامة فى مصر رجالا ونساء لم تكن دائمة مغطاة لكل الجسد. نعود للرقص ونسأل، ما الذى يزعج شخص فى رقص انسان آخر أو مجموعة من البشر؟ إن الرقص يحمل الكثير من المعانى لكل كائنات الله على الأرض. الرضع يرقصون، والحيوانات والنباتات ترقص. وقد حار العلماء فى ايجاد تفسيرا واحدا جامعا مانعا لرغبة الانسان فى الرقص أو رغبته فى مشاهدة الآخرين يرقصون. أول تفسير يأتى على البال فى هذا الموضوع أننا نرقص لنخرج مافى صدورنا من آلام. الرقص يزيل المشاكل العائلية والاوجاع النفسية ، وينسيك ما يشغلك ويفرج عن همومك. الناس ببساطة تريد أن «تفرح»، ونحن مع اى شىء يشعر الناس بالفرح مادام لا يؤذى آخرين. اذا تأذى أحد بالنظر فليدر وجهه أو يذهب بعيدا عن الراقصين. المصريون يثبتون من خلال رقصهم فى هذه العملية الانتخابية أنهم شعب منطلق، ويجدون ما يسرهم مهما كثرت مشاكلهم. المصريون محبون للحياة وهذا أكبر دليل. نحن نرقص فى حفلات العرس، وعندما ينجح الابناء وعندما نكسب مبارة كرة، والعشاق يرقصون، والآن فى الانتخابات. نرقص فقط لأننا نريد أن نرقص. المصريون طوال عمرهم يرقصون. فالرقص كان طوال تاريخنا عبادة واحتفالا. كتب ويل ديورانت فى كتابه قصة الحضارة أن المصريين القدماء كانوا يتقربون الى آلهتهم بالرقص، بينما يتقرب لها أهل اليونان بالبكاء والصراخ. وكان لدينا أيضا رقص مرتبط بالعقائد الدينية خاصة فى الأسرتين 18 و19. وصور المصريين القدماء مناظر الرقص على مقابرهم ومنه الرقص الجنائزى، التى تقوم به الراقصات لتسلية روح المتوفى. طبعا الامر وصل عندنا الى الصوفية التى هى تبتل فى حب الخالق وتتقرب اليه بكل الصور. لا يوجد مولد للمتصوفة فى مصر الا وتجد الجميع يرقص وهو يذكر، ويهتز يمينا ويسارا. وأجمل ما فى رقص الموالد أنه عشوائى، كل منا يقدم رقصته الخاصة، بشكل ليس منمقا أو منظما أو فى صفوف او دوائر كمولوية تركيا أو شيعة العراق. وليست موالد المسيحيين فى مصر مختلفة عن اخوانهم المسلمين، فهم أيضا يرقصون بحرية وانفراد. وليست هناك مجموعة ثقافية او عرقية فى مصر الا وهى ترقص رقصها المميز. فى وجه بحرى هناك انواع متنوعة فى رقص الفلاحين بحسب الزمان والمكان، وهى مختلفة تمام الاختلاف عن رقص الصعايدة الذين اشتهر الرجال منهم بالرقص بالعصا. وكان هناك رقص الغوازى التى كانت تمارسة فئة معينة من الغجر والنور وانتشر بين كل المصريين. وتمخض عنه ما سمى برقص البطن ، والذى تطور الى الرقص الشرقى التى تتبارى فيه نساء فى هذا المكان من العالم بل واصبح فنا عالميا بمدارس منتشرة فى كل مكان من البرازيل حتى اليابان. ولدينا رقصة التنورة. وفى ثقافة النوبة الكل يرقص ومنها عند الفادجا ما يعرف بدور الأراجيج، كما يتميز العبابدة بما يعرف بالتربلة. وفى المجتمعات البدوية المصرية الرقص اساسى وهو ما يتجلى فى سامر الحية السحجة. أما منطقة قناة السويس، فالرقص عنصر مهم فى سامر الضمة واحتفالات السمسمية. نحن لسنا وحدنا، فكل شعوب العالم ترقص، فالرقص أسلوب حياة عند البشر