الدستور
د . ابراهيم مجدى حسين
التحليل النفسي للناخب المصري
قبل الانتخابات بحوالى شهر، بدأت التنظيمات الإرهابية والمعارضة التى ليس لها تواجد فعلى على أرض الواقع فى ترويج الشائعات، مثل ترديد ادعاءات بأن الإقبال سيكون ضعيفًا، معتمدين على أسباب واهية وتنظير غير متناه.
لكن حدثت المفاجأة التى صدمت كلا الفريقين، الإرهابيين والمعارضة، وهى مشاهد التصويت للمصريين فى الخارج، التى امتلأت بالحشود الكبيرة وغلفتها حالات الفرح والاحتفال.
ما شاهدوه أغرقهم فى بحور الحيرة، ورغم ذلك استمروا فى حالة الإنكار والتبرير والتأكيد أن الأصوات ستكون قليلة فى الداخل، وبدأوا فى استخدام آليات العمليات النفسية، من سخرية وشائعات وتشكيك، علاوة على الاستمرار فى ترديد نغمة «النتيجة معروفة مسبقا».
الغريب أن الإرهابيين لم يكتفوا بذلك، إذ ارتكبوا عملا إرهابيا غادرًا فى الإسكندرية، لإخافة الناخبين وإرهابهم، وهذا العمل كان من أهم نقاط التحول، فانقلب السحر على الساحر، وقبل المصريون التحدى، وتعاهدوا على المشاركة والنزول بالملايين، وسمعنا مواطنى الإسكندرية يقولون «لو القنابل فى اللجان.. هننزل».
ومع الساعات الأولى للانتخابات، هلّت البشاير وانتظمت طوابير الناخبين، خصوصا فى الأماكن التى وقعت فيها الحوادث الإرهابية، فمثلا، شهدت لجنة بئر العبد بشمال سيناء إقبالا غير عادى.
بئر العبد، تلك البقعة الطاهرة من أرض الوطن، التى ارتكب فيها الإرهاب الأسود أبشع جرائمه، مذبحة بكل ما تعنى الكلمة، داخل بيت من بيوت الله، واستشهد فيها أكثر من ٣٠٠ مصلٍّ.
هذه البقعة الطاهرة نبذت الإرهاب وقررت أن تكون نموذجا يحتذى به حول العالم، فى كيفية مواجهة الإرهاب بشكل إيجابى، كان شعار «شارك من أجل القضاء على الإرهاب» عاملًا كبيرًا ومؤثرًا فى حسم معركة التصويت.
نزل المصريون لأنهم شعروا بفطرتهم النقية أن مجرد نزولهم بمثابة مشاركة منهم فى القضاء على الإرهاب. مشاركة المرأة بكثافة فى هذه الانتخابات كانت محور دراسة وتساؤل يطرح نفسه: ما الذى دفع المرأة المصرية إلى النزول بقوة، لدرجة أن بعض اللجان كانت نسبة حضورهن فيها أكبر من الرجال؟.
هذا على عكس ما حدث خلال الثلاثين عاما الماضية، حيث كانت مشاركة المرأة ضعيفة فى الانتخابات، وكان هناك تحفظ فى النزول، بسبب أعراف وعادات بعض مناطق مصر، ولكن تغير هذا الوضع، ورأينا مشاركة المرأة فى سوهاج وأسوان وأسيوط والمنوفية والشرقية، طبقا للمؤشرات الصادرة من المجلس القومى للمرأة.
تغيير الوعى والإحساس بالمسئولية والخوف على الوطن، المرأة المصرية يغمرها الخوف والقلق على الوطن، وهذا الخوف الإيجابى كان دافعًا قويًا وراء نزولها ومشاركتها، فالإحساس بالقلق يدفعك للمشاركة، هكذا يخبرنا علم النفس السياسى.
أما أمهات وزوجات الشهداء، فكان لهن دور كبير فى عملية التحفيز والشحن الإيجابى، فأم الشهيد وزوجته تعرفان معنى التضحية والفداء والإيثار وتلبية نداء الوطن، كانت مشاركتهن تلبية لنداء الوطن وإصرارًا على استكمال الحرب على الإرهاب.
كانت مشاركتهن رسالة قوية للعالم، مفادها «إن الإرهاب لن يكسرنا ولن نخذل وطننا، لقد ضحى أبناؤنا وأزواجنا بأرواحهم الطاهرة فى سبيل ذلك الوطن، وها نحن نكمل المسيرة بعزة وشرف، لكى نأخذ ثأرهم».
الأم التى تقدم ابنها فداء للوطن تعلم بالتأكيد كيف تحافظ على سمعة بلدها وتظهره أمام العالم بشكل مشرف وحضارى يبهر الجميع، المؤشرات والأرقام تقول إن أسر الشهداء ذهبت كلها لتنتخب وتشارك وتحفز الناس على النزول.
مشهد آخر أبهر العالم، وهو نزول المرضى والمسنين والمعاقين، رأينا أشخاصًا يذهبون للانتخاب داخل لجانهم فى عربات الإسعاف، ما الذى دفع هؤلاء إلى تكبد المشقة؟، إنه الإيثار والإحساس بالواجب.
هؤلاء نزلوا لأنهم تعاطفوا مع الوطن ومع قائدهم، دون انتظار مكاسب والبحث عن مميزات، شعروا بأن وجودهم ضرورى من أجل وطن أفضل ومستقبل أفضل، فاتخذوا قرارهم بالنزول دون وضع مبررات.
البعض يسأل عن علاقة الرقص بالانتخابات؟
لم أجد أبحاثًا عالمية تطرقت إلى علاقة الرقص بالانتخابات، ولكن الرقص فى حد ذاته هو استخدام لغة الجسد للتعبير عن المشاعر، ومنها الغضب والفرح.
وهناك علاج نفسى حديث، يسمى العلاج بالرقص، الحركة (DMT) فى الولايات المتحدة، وهو الاستخدام النفسى للحركة والرقص، لدعم الوظائف الفكرية والعاطفية والحركية للجسم.
كان الرقص أمام اللجان طقسا مصريا خالصا، ابتدعه المصريون من أجل إظهار فرحتهم وإعلان انتصارهم على الإرهاب الأسود، كان نوعًا من العلاج وتفريغ الطاقة، باختصار، انتخابات هذا العام خلقت نوعًا من الطاقة الإيجابية، يجب استثمارها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف