الجمهورية
لويس جرجس
صور من بلدي .. القديس سيدهم بشاي .. وقدر مصر

قدر مصر أن تظل دولة واحدة متوحدة. أرضًا وشعبًا. وأن تفشل أي محاولة للنيل من هذه الوحدة. وقدر أي حاكم يحاول النيل من هذه الوحدة لأغراض غير وطنية أن تظل صفحته في التاريخ سوداء. بينما يظل الحاكم الذي يلم الشتات ويجمع المصريين ويعدل بينهم خالدًا في وجدان المصريين. يغفرون له سلبياته التي يعرفونها جيدًا. ولكن يتغاضون عنها لادراكهم أن الحفاظ علي مصر موحدة أهم.
يحكي التاريخ أنه في عهد محمد علي باشا استشهد مواطن مصري في دمياط. بعد أن اتهمه متطرفون زورًا بإزدراء الدين الاسلامي. وحاكموه علي عجل وأصدروا الحكم بقتله. ونفذوا الحكم في شوارع المدينة بعد تعذيبه. مرت ذكري الاستشهاد منذ أيام. وبالتحديد يوم 26 مارس "17 برمهات بالتقويم المصري". إلي هنا والقصة عادية وتكررت كثيرًا في تاريخنا. ولكن ما وراء القصة هو كيف تصرف الحاكم ـ وهو غير مصري ـ مع هؤلاء المتطرفين الذين بفعلتهم هذه يهددون مشروعه النهضوي الذي ينفذه في البلد.
المواطن المعني هو سيدهم بشاي "1785ـ 1844م" وكان يعمل في وظيفة كاتب بديوان عام مدينة دمياط. وكانت حينها مدينة كبيرة وتأتي في الشهرة بعد القاهرة مباشرة. رغم سمعتها السيئة باعتبارها منفي للسياسيين وسجنًا للجنود الألبان المغضوب عليهم. ونظرًا لأمانة سيدهم بشاي وتفانيه في عمله. اختاره محمد علي باشا سنة 1825 ضمن عدد من الموظفين الموثوق بهم لتطوير جمرك الاسكندرية. ورغم اقامته هناك إلا أنه كان يذهب إلي دمياط من وقت لآخر لانتظار سفن الاخشاب التي تأتي من الشام. ونتيجة رفضه السماح بإدخال بضائع بطرق غير مشروعة عن طريق الجمرك لصالح تجار أتراك. حرض هؤلاء بعض المتطرفين عليه ليحتكوا به في الشارع. وتصادف مرور مفتي المدينة. فأخبروه كذبًا بأن سيدهم تطاول علي الإسلام والمسلمين وأساء لنبيهم. أُلقِي القبض عليه ووجهت له تهمة إزدراء دين الإسلام. وحُوكِم محاكمة سريعة بحضور المحافظ خليل أغا والشيخين علي خفاجة والبدري ونقيب الأشراف. حيث حُكِم عليه بالاستتابة أو الجلد حتي الموت. ونتيجة تحريض المتطرفين تحول تنفيذ الحكم إلي مشهد فوضوي. حيث اختطفه العامة من الجنود لتنفيذ الحكم بأنفسهم. وقاموا بجلده وتعذيبه في شوارع المدينة. واستباح المتطرفون المدينة ومارسوا التخريب العشوائي لممتلكات الأجانب والمسيحيين. استمر التعذيب أربعة أيام إلي أن أسلم الروح مستشهدًا. وصلت شكوي مسيحيي دمياط إلي محمد علي. الذي كان ـ لحرصه علي استقرار البلاد ـ سمح للأقباط بحرية بناء الكنائس وممارسة الطقوس الدينية. ولم يرفض أي طلب لبناء أو إصلاح كنيسة. وكان أول حاكم يمنح موظفي الدولة المسيحيين رتبة الباكوية عرفانًا بخدماتهم. كما أتخذ له مستشارين منهم. لذلك أمر بفتح تحقيق في الواقعة أسفر عن إدانة المحافظ والقاضي والشيخ البدري وحكم عليهم بتجريدهم من مناصبهم. ليكونوا عبرة لمن يتعدي حدود القانون ويهدر قيمة المواطنة. كما أمر بجنازة رسمية لسيدهم بشاي وتكريم ذكراه في كل أنحاء مصر. وسمح برفع الأعلام الكنسية والصلبان في الجنازة للمرة الأولي في تاريخ مصر الحديث. وبجلسة 8 يونيو 1987 يقرر المجمع المقدس برئاسة البابا شنودة الثالث الاعتراف بسيدهم بشاي قديسًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف