أسامة سرايا
معنى رسالة المصريين الجديدة
الإمساك بهذه اللحظة الثمينة فى عمر الوطن قضية جوهرية لكل المصريين، وقد انتصروا على أنفسهم أولا، وعلى حملات التشويه، ومحاولة إفقادهم الثقة ثانيا. إن جمال اللحظة يستحق التهنئة لكل مصرى ومصرية، سواء من الذين وافقونا الرأى أم الذين لم يوافقونا، وقد ذهبوا إلى صناديق الاقتراع وعبروا عن أنفسهم بحرية ونزاهة، لأنهم أدركوا أن أصواتهم أهم من عملية التصويت نفسها. فهذه الأصوات الانتخابية بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية فى مصر سنة 2018 كانت، ببساطة، رسالة مفادها أن المصريين يعرفون ما يحاك للوطن، وأن سلامة البلاد أهم من كل شيء، فليس هناك أغلى من الوطن الذى يضم أبناءهم، وقد عرفوا أن الوقوف فى طابور الانتخاب ينجو بهم، وبإخوتهم وأهلهم وأبنائهم، من الوقوف فى طوابير اللاجئين من المتحاربين أهليا من أبناء عروبتنا ومنطقتنا الغالية. إن المصريين الإيجابيين أرسلوا رسالة واضحة إلى كل العرب خاصة إلى المصريين المتآمرين، أو لنقل إلى الباحثين عن سلطة تأتى بأيدى الأجنبي، بأنهم أصبحوا، لا أقول نخبة أو طبقة، ولكن كتلة قوية متكاملة من المصريين, تنوب عنهم جميعا فى معركة تحديد مصير مصر والمنطقة بالكامل. وأنهم باتوا كتلة حرجة قادرة على القيادة، وإرسال الصور والرسائل المعبرة، وأنهم خرجوا من الانتخابات واثقين من أنفسهم، ومجددين للأمل فى مستقبلهم ومستقبل منطقتهم، وأصبحوا قادرين بقوتهم الداخلية، وإمكاناتهم المحلية، على الدفاع والتصدى عن أمن البلاد. وهم يعرفون كيف سيبنون ديمقراطية جديدة بلا أحلام أو أوهام، ولا يخجلون من تشخيص أحوالهم بدقة، وهم يعرفون كيف سيطورون هذه الأحوال حتى تكون قادرة على تحقيق أحلامهم الواقعية والوصول إلى أقصى أمانيهم الممكنة وأنهم سيربطون واقعهم الراهن بمستقبلهم المفترض، ليس من تاريخهم القديم، أو الضعيف، سواء فى العهدين الملكى أم الجمهوري، أو ما قبلهما من عصور الاحتلال والفوضى والتدخلات الخارجية الفجة فى أخص خصوصيات الشعب والوطن فقط، بل مع تاريخهم الموروث من أهم حضارة إنسانية عرفتها البشرية مع بزوغ الفراعنة، وبنائهم لأهم إمبراطوريات الشرق والعالم القديم كله. عندما تستقيم الأمور فى بر مصر وبين المصريين يسود الوئام وروح التحدى والعمل المتكامل.
وأقول للجميع: ثقوا فى المستقبل، ليس لمصر وحدها ولكن لكل العرب، وحتى لكل الشعوب فى محيط المنطقة العربية، ولذلك عندما تجد الأولويات تتنازعك، والصور المتداخلة تدفعك، لا تنظر بعيداً، وانظر داخلك وانظر حولك، وعندما تجد المصريين يقودون ولا يقلدون من حولهم، ولا يتأثرون بدعاوى غيرهم، فتيقن فى هذه الحالة من أنهم يصنعون المستقبل، والأهم أنهم يصنعون النصر لأنهم يعرفونه بحكم الموروث العميق. ولكن عندما تجد المصريين مهتزين مما يحدث حولهم، ومتأثرين بدعاوى غيرهم، سواء جاءت من المغرب العربي، أو المشرق العربي، أو من الخليج العربي، أو حتى من أوروبا أو أمريكا أو من اليابان والصين حتى من دول إقليمية محيطة تركيا وإيران وغيرها.فاعرف أنهم فى حالة من الهشاشة والضعف. ولذلك هم الذين يجب أن يقودوا غيرهم، ولكن إذا اهتزوا وتركوا عجلة القيادة لمن حولهم، فاعرف أنهم فى حالة من انعدام الوزن، وعدم الثقة فى أنفسهم، ولذلك تجدهم يلتقطون فكرة من هنا أو هناك، وتكون النتيجة حالة من الضياع.
ولن نذهب بعيدا فحين يقود المصريون فإنهم ينتصرونً، وهذا ما حدث فى حرب أكتوبر العظيمة 1973، وقد جاءت بالنصر العسكري، والذى كان من نتيجته استرداد الأرض، وهذا ما حدث أيضا مع السلام المصرى الذى رفضه العرب وعادوا وقبلوه ومازالوا يبحثون عنه لأنهم جميعاً تنازعتهم روح الزعامة والقيادة ونأوا عن مصر ومكانتها الطبيعية. وهكذا ضاعت الشام، عندما تركت أحلامها مع البعثيين: فى العراق وسوريا، وابتعدوا عن مصر بعنف فقبلته وسارت فى طريقها وانفصلت عن وحدتهم وهكذا انقسمت السودان عندما ذهبت بعيداً عن مصر وبحثت عن مصيرها وحيدة وهكذا.. وهكذا جرى فى ليبيا وغيرها، بل هى عندما اصطاد المصريون فكرة خبيثة للفوضى والتدمير جاءت من تونس تحت مسمى الربيع العربى وتصورت أنها وجدت ضالتها فيها، سلمت نفسها، ووقعت فريسة لحالة من الفوضى والاضطراب ليس لها مثيل فى التاريخ. ولعلنا لا ننسى أنه عندما رفضت مصر التيارات المتطرفة والدينية والإخوانية بعد ثورة يوليو فى الخمسينيات من القرن الماضى وصححت تاريخها بإعلان جمهورية عظيمة متحررة تلقفت كل القوى المعادية لهذه الروح المصرية الجديدة هذه التيارات السلفية، وهى لا تعرف روح العصر أو مستقبل الدين الحقيقي، وصنعوا منهم قتلة وإرهابيين وذلك حتى تنأى مصر عن مستقبل المنطقة فيأكلها التطرف والإرهاب، وهو مازال يعيث فيها فسادا حتى الآن. ولكن عندما تتغير المنطقة، وتتبنى الاتجاهات المصرية التى تتماشى مع روح العصر وصحيح الدين الإسلامى المعتدل الحنيف فيجب علينا جميعا أن نستبشر بمستقبل مصر والمنطقة. ورسالتنا اليوم إلى كل القوى المناوئة لما يؤمن به المصريون وكتلتهم الحرجة المتطلعة إلى المستقبل هي: حاولوا أن تلتقطوا رسالة الشعب المصرى من أجل بلدكم، وكذلك من أجل دينكم.