الوطن
د. محمود خليل
الطريق إلى «مصر 22»
لا يجادل اثنان فى أن ثورة 30 يونيو 2013 سعت إلى تصحيح مسار الثورة الأم فى 25 يناير 2011. فقد أثبتت التجربة العملية أن «الإخوان» لم ترغب فى تحقيق ما نادت به ثورة يناير من مطالب فى بناء دولة مدنية تعلى من حقوق المواطن وترتكز على احترام الرئيس للدستور وتطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين والمفسدين وتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية تجد صداها فى حزمة إجراءات تحمى الطبقات الأكثر احتياجاً. لم تأبه الجماعة كثيراً لهذه المطالب، وأصبح جل همها وراثة حكم ثورة يوليو، واستنساخ معادلة مبارك فى الحكم مع إطلاق لحيتها.

هناك عدة أطراف شاركت فى 30 يونيو، كان على رأسها «التيار الينايرى» الذى ارتضى الوقوف فى الشوارع مع فلول دولة مبارك، كما ارتضى فى يناير 2011 الوقوف مع جماعة الإخوان التى كانت تشكل جزءاً أصيلاً من مركب حكم مبارك، بل وثورة يوليو 52 ككل. جمع تيار يناير ما بين مجموعة من الأطياف: ليبراليين واشتراكيين، ثوريين ومثقفين وفنانين، لكن الكتلة الأهم فيه تمثلت فى فئة «غير المسيسين» من أبناء الطبقة الوسطى، فى حين تشكل تيار الفلول المباركية من رجال أعمال ورجال من داخل مؤسسات الدولة ورجال الحزب الوطنى وصحفيين وساسة نشأوا وترعرعوا فى عصر مبارك، لكن الكتلة الأكبر داخل هذا التيار تمثلت فى غير المسيسين من أفراد «حزب الكنبة» وأغلبهم ينتمى إلى الطبقة الوسطى أيضاً.. ماذا حدث بعد 30 يونيو؟

كل الأطراف التى شاركت فى 30 يونيو ذهبت مع الريح، ولم يبقَ إلا «جماعة النخبة» من فلول عصر مبارك. أرادت هذه الجماعة -كعادتها- الاستفراد بالمشهد وإعادة إنتاج سيرتها ومسيرتها المباركية، وكان «التيار الينايرى» أول خصم لا بد لها من أن تتخلص منه، ووظفت فى ذلك خطاباً إعلامياً وسياسياً يصف هذا التيار بـ«التآمر ضد وطنه»، وأصبحت «النخبة المباركية» الجهة المسئولة عن توزيع «صكوك الوطنية» على المصريين، وقدمت نفسها لرئيس الدولة وكأنها المحامى الشرعى القادر على الدفاع عنه ضد «الثورجية الأعداء» الذين يريدون تخريب البلاد والعباد!

رئيس أى دولة تدافع عنه شعبيته المؤسسة على إنجازاته وليس على ثرثرة نخبة لا يخفى على أحد أن الرأى العام أصبح ينظر إليها كمجموعة من الأبواق الدعائية التى يتسبب الاستماع لها فى صداع مزمن. الضربة الثانية الأهم لمركب ثورة يونيو توجهت إلى الطبقة الوسطى (من غير المسيسين: الينايرجية والكنبوية) التى عصفت بها إجراءات الإصلاح الاقتصادى، بالإضافة إلى ما تعرضت له من تخويف -وأحياناً إهانة- من جانب من نصّبوا أنفسهم كهنة لسلطة ما بعد 30 يونيو.

فى ظنى أن طريق الرئيس خلال ولايته الثانية واضح. لا بد من وضع النخبة المباركية فى حجمها الطبيعى، وغل يد أراجوزات الإعلام والسياسة عن معادلة «رقص الغوازى للملوك»، وإفساح المجال العام أمام كل التيارات لكى تعبر عن نفسها بحرية وطمأنينة، والبحث عن حلول أخرى لتمويل الموازنة العامة للبلاد بعيداً عن جيوب الطبقة الوسطى والفقراء. المشهدان السياسى والاقتصادى المصرى فى حاجة إلى إنعاش حقيقى حتى نتهيأ للمقبل عام 2022. مصر هى الباقية والجميع إلى زوال.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف