عباس الطرابيلى
مآذن مساجدنا زمان.. وهذا الزمان
مصر، بلا منازع، هي دولة المساجد.. ليس في العاصمة وحدها، بل في كل مدن مصر.. ومآذن - أو منارات- هذه المساجد تعمر عندنا طويلاً.. ورغم أنها أقيمت في زمن ليست فيه خرسانة مسلحة إلا أنها- بعد الآثار الفرعونية - هي الأكثر عمراً بين المنشآت المصرية كلها.. واذهبوا إلي شارع المعز لدين الله حيث مساجد ومجموعات قلاوون والحاكم بأمر الله والأقمر وبرقوق، تجدوا مآذنها ما زالت صامدة. تقاوم الزمن والزلازل.. حتي زلزال 1992 الشهير لم يؤثر إلا علي عدد قليل جداً منها.. ولاحظوا أيضا مآذن عريقة مثل مسجد ابن طولون «الملوية» علي غرار مئذنة مسجد "سر من رأي" في العراق.. أو مئذنة مسجد ومدرسة السلطان حسن «المملوكي» التي عاشت مئات السنين وهذا المسجد يعتبره المعماريون هو الأجمل والأفضل بين مساجد العالم كله.. ويعتبرونه الهرم الرابع.. بل ومآذن مسجد محمد علي باشا في القلعة صامدة رغم أنها مع مئذنة مسجد الفتح وأولاد عنان هي الأعلي بين مساجد مصر..
<< وفي المقابل نجد العكس.. ففي وقت واحد تقريباً أنشأت الدولة مسجدين الأول هو مسجد البحر، وهو المسجد الرسمي حيث الاحتفالات الرسمية في مدن دمياط.. والثاني هو مسجد الرحمن في رأس البر أشهر مصايف شمال الدلتا.
ولأنهما أقيما في فترة وجود غش «عالمية» في مواد البناء مثل حديد التسليح أو الأسمنت وهما من دول شرق أوروبا. وكان ذلك في أول الستينيات من القرن الماضي. وبسبب استخدام حديد وأسمنت مغشوش أيامها سرعان ما انهارت مآذن المسجدين وقبابهما في أوائل التسعينيات.
<< البعض قال إن غش الأسمنت والحديد هو السبب. والبعض قال إن السرقة هي السبب. إذ كل من احتاج حديد تسليح أو أسمنت سرق ما يريده ليبني بها فيلاته في رأس البر.. وذلك من المسئولين في المحافظة وفي مجلس المدينة.. ولكن أحداً لم يحاسب أي مسئول عن ذلك.. حتي شركة المقاولات التي تولت البناء، لم يحاسبها أحد.. وخلال حملتي الانتخابية عام 1995 نظمت حملة لإعادة بناء المسجدين.. وتولي عملية إعادة البناء المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان أيامها.. بمساهمة مالية من وزارة الأوقاف.
<< ولكن سرعان ما ظهرت الشقوق - بالذات في منارتي مسجد الرحمن في رأس البر.. إذ حدث تمايل.. وسقوط ولم تجد الدولة إلا أن تقوم بإزالة المئذنة الأولي إلي مستوي السطح.. ثم سرعان ما دب الخلل.
المئذنة الثانية.. وتجري الآن - ولكن ببطء شديد- عمليات الإزالة تمهيداً لإعادة البناء.. ولكن ماذا عن قبة المسجد.. بل وحوائطه.. وقد أقيمت كلها في نفس الفترة وبنفس شركة المقاولات.. وهل تمثل خطراً علي المصلين.. وعلي المارة، لأن هذا المسجد هو الرئيسي في رأس البر ويقع علي ميدان هو الأكبر.. ويجاور السوق الكبير حيث الحركة شديدة.
<< فهل تم تشكيل لجنة فنية - تبحث أيضا- حالة قبة المسجد وحوائطه للحكم إما بالإبقاء عليها.. أو تقبل الترميم.
وهذا يجب ألا يمنع مساءلة الذين تولوا البناء.. ثم الذين تولوا إعادة البناء في التسعينيات.. فهذه جريمة لا تموت.. ويبقي السؤال: لماذا عاشت مآذن مصر التاريخية كل هذه القرون بينما تسقط مآذن لم تعمر نصف قرن !!