المصريون
جمال سلطان
هوامش ضرورية على إعلان نتيجة الانتخابات
أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عصر اليوم نتيجة التصويت في الانتخابات الرئاسية الجديدة 2018 ، وكانت الأرقام ـ خاصة عن تصويت الداخل ـ قريبة مما أعلنته الصحف الحكومية في الأيام الماضية بخصوص عدد من شاركوا بالتصويت ، حيث كشف المستشار لاشين إبراهيم رئيس الهيئة أن إجمالي عدد من شاركوا في التصويت في الداخل والخارج بلغ قرابة أربعة وعشرين مليون ومائتين وخمسين ألفا ، وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي فاز بسباق التصويت بعدد 21 مليون و835 ألف و387 صوتًا، بنسبة 97.08% ، والمفاجأة الحقيقية هي في عدد الأصوات الباطلة والذي اقترب من مليوني صوت (مليون و762 ألف و231) ، بنسبة تصويت 7,27% ، وهي النسبة الأعلى في تاريخ الانتخابات الرئاسية ، ومرة أخرى حلت الأصوات الباطلة في المركز الثاني لأنها كانت تقترب من ثلاثة أضعاف ما حصل عليه منافس السيسي المفترض موسى مصطفى موسى ، والذي حصل على 656 ألفا و534 صوتا، بنسبة 2.92%.
الملاحظة المهمة ، والمفاجأة الوحيدة هنا ، أن تصويت الخارج كان متواضعا بشكل مذهل فرغم كل النفخ في الحديث عن طوابير المصريين بالخارج التي زحفت إلى سفاراتها في مختلف أنحاء العالم ، والتي ردت على المشككين ... إلى آخر هذا الخطاب الدعائي العتيق ، فإن اللجنة أوضحت أن عدد المشاركين في الخارج بلغ 157.060 ، فقط لا غير ، فإذا تذكرت أن في دول الخليج العربي وحدها ما يقرب من ستة ملايين مواطن من العاملين بالخارج وأسرهم إضافة إلى ملايين أخرى حول العالم ، وخاصة في أمريكا وكندا واستراليا وبريطانيا وفرنسا ، فلنا أن نتصور أن نسبة تصويت الخارج لم تتجاوز 3% في أحسن تقدير ، والحقيقة أني عندما أضع هذه النسبة المتواضعة بل والمخجلة في خلفية الكلام العاطفي الطويل الذي قاله سيادة المستشار لاشين إبراهيم في بيانه عن زحف طوابير المصريين في الخارج إلى سفاراتهم يلوحون بعلم بلادهم ، يمكن أن نقول بأن العاطفة أخذت به بعيدا جدا عن الواقع .
وأهمية ملاحظة انتخابات الخارج ونسب التصويت فيها ، أن الناخب هناك خارج عن سيطرة الجهاز الإداري والأمني في مصر ، وبالتالي هو خارج أي ضغوط ، هو حر في اختياره بشكل حقيقي وكامل ، وبالتالي فإن انتخابات الخارج هي الأكثر تعبيرا عن حالة الانتخابات ، وصحيح أنه لا نتوقع نسبا تقارب نسب الداخل ، لتباعد المسافات في الدول الكبيرة المساحة ، ولكن هذا لا يعني أن نصل إلى مستوى 3% أو قريبا منها ، خاصة وأن المصريين في دول الخليج يتركزون في مدن بعينها ، مثل الرياض وجدة والكويت وأبو ظبي ودبي والدوحة ، وهذه من السهل جدا على المقيمين فيها الوصول للجان إن رغبوا .
وإذا عدنا إلى الأرقام التي أعلنت بشكل كامل ، للداخل والخارج ، ونسبة فوز الرئيس السيسي والتي وصلت ـ حسب الهيئة ـ إلى أكثر من 97% ، فلا أعتقد أنها نتيجة تليق بسمعة أي دولة ديمقراطية أو متحضرة سياسيا ، وليسمح لي سيادة المستشار أن أختلف معه ـ سياسيا ـ في وصف الانتخابات بتلك الصورة وتلك النتائج بأنها ـ حسب قوله ـ ملحمة في حب مصر ، وأنها خرجت بشكل لائق بمصر ومكانتها الدولية ، وأنها جسدت نضال الشعب من أجل العدالة والديمقراطية ، لأن عكس ما قاله هو الذي سيتحدث عنه العالم غدا ، فلم يعد في عالم اليوم من يحترم الانتخابات التي يفوز فيها الحاكم بنسبة 97% ، العالم ينظر إليها بشكل تلقائي وبدون الدخول في أي تفاصيل على أنها ليست انتخابات ، وأنها لا يمكن نسبتها إلى الديمقراطية بأي وجه ، ويتم تصنيف تلك الدول بداهة على أنها ديكتاتورية ، ومن ثم فهي بكل تأكيد لا تليق بمصر ومكانتها الدولية ، قولا واحدا .
أقدر المشاعر الوطنية النبيلة التي دفعت سيادة المستشار لاشين إبراهيم إلى الحديث العاطفي الطويل عن روعة هذه الانتخابات وبهائها ، وأنا أثق أنه يتكلم من واقع ما عايشه هو وقام عليه بأمانة في اللجان الانتخابية ، وبذل فيه من الجهد والتوتر العصبي الكثير الذي سنذكره له ، ولكن الانتخابات ليست فقط لجانا ، وإنما هي مناخ سياسي عام ومنظومة أمنية وإدارية تملك الكثير من أدوات التأثير ، وهو ما شهده العالم كله في وقائع كان لها صخب إعلامي كبير طوال الأشهر الماضية .
بطبيعة الحال لا نختلف مع الهيئة الوطنية العليا في ما قالته من أرقام وإجراءات ، فهذا صميم عملها بدون تدخل من أحد ، بل نشكرها على جهدها ، ونعتبر ميلاد الهيئة مكسبا لمصر وشعبها ينبغي الحفاظ عليه لأنه الأساس الذي يبنى عليه أي إصلاح سياسي مقبل ، ولكن خلافي معه في الرؤية السياسية والتقدير السياسي ، واعتقادي أن العاطفة أخذته بعيدا عن دلالات تلك النتائج بعيون العالم ، وأدعوه والسادة أعضاء الهيئة إلى الاطلاع على ما تنشره الصحافة العالمية غدا ، فسيجد فيها ما يغنيني عن الشرح .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف