خطاب مختلف قدّمه الرئيس عبدالفتاح السيسى عقب الإعلان الرسمى عن فوزه فى الانتخابات الرئاسية. ثمة ملاحظتان شكليتان أجد من المهم الإشارة إليهما بشكل عاجل فى البداية، تتعلق أولاهما بمراعاة الرئيس قواعد اللغة فى تلاوة الخطاب بدرجة أكبر بكثير مما كان عليه الحال خلال خطابات سابقة، وثانيتهما أن الرئيس لم يرتجل فى هذا الخطاب، وكان ملتزماً بالنص على غير عادته، وهو الأمر الذى يستطيع المحلل معه أن يجد الكثير من الأفكار المتماسكة القابلة للنقاش.
الفكرة الأولى التى تستحق التوقف أمامها فى الخطاب تتعلق بـ«المساحات المشتركة» التى تحدث عنها الرئيس، ووصفها بأنها أوسع وأرحب من أى أيديولوجيات أو مصالح ضيّقة. وهى فكرة تبشّر بتعامل مختلف مع أصحاب الآراء أو التوجّهات المختلفة خلال المدة الرئاسية الثانية. وحسن أن يستوعبها أى نظام سياسى. مصر بعد ثورة 25 يناير تحتشد بالكثير من التيارات السياسية، هناك من يتبنّى ثورة يناير ولا يرى غيرها، وهناك من يعتبر بثورة يونيو ويرى أن يناير مؤامرة، وهناك من يذهب إلى أن «يونيو» مكملة لـ«يناير» وموجة من موجاتها، هناك من يتّفق ويختلف على أداء «النواب» و«الحكومة» و«أداء الرئيس» نفسه، هناك من يتفق ويختلف على أولويات التفكير، وهل ينبغى أن تكون فى بناء مستقبل اقتصادى يرتكز على مشروعات قومية، أم أن المشكلات العاجلة اليومية هى الأولى بالحل والتعامل معها، أم أن الأوجب هو التوازن بين العمل للمستقبل دون إرهاق المواطنين بأعباء اقتصادية فى الحاضر. من حق كل الآراء أن تعبّر عن نفسها، ومن حق كل التيارات أن تجد المساحة للتحرك على الأرض، بل والطموح إلى الحكم. وإذا كنا بصدد الحديث عن المساحات المشتركة، فلا توجد مساحة مشتركة تجمع المصريين خيراً من «الأرضية الوطنية». ليس من حق أحد أن يصادر على رأى أو فكر أو سلوك أو تحرّك طالما كان منطلقاً من أرضية وطنية، وما دام يمارس دوره بصورة سلمية. من حق الجميع الوجود طبقاً لهذه المعادلة، لا أستثنى أحداً!.
الفكرة الثانية تتعلق بعبارة جديرة بالتأمل، قالها الرئيس وهى «الذى جدد الثقة بى وأعطانى صوته لا يختلف عمن فعل غير ذلك». لأول مرة يختفى وصف «قوى الشر» من الخطاب السياسى للرئيس. وليته يتوارى إلى الظل خلال الفترة القادمة. مصطلح «قوى الشر» لم أجد له أصلاً إلا فى كتاب «الحرب النفسية» الذى كتبه «صلاح نصر» فى الستينات. واستدعاؤه فى واقعنا المعاصر أمر غير موضوعى، خصوصاً إذا تم استخدامه فى وصف من يختلفون مع السلطة اختلافاً سياسياً، وحتى فى سياق الأطراف والقوى الأخرى التى تسعى للوصول إلى الحكم بآليات سياسية لا يصح أن نستخدم وصف قوى الشر. أفهم أن نستخدم هذا المصطلح فى وصف الإرهاب والإرهابيين، أما أن يُستخدم فى وصف أصحاب الرأى أو المنافسين السياسيين، فذلك ما لا يليق.
كلام الرئيس فى خطاب الولاية الثانية جيّد، حبذا لو تُرجم إلى أفعال وممارسات على الأرض. حبذا أيضاً لو بادر الرئيس وأفرج عن المتهمين بخرق قانون التظاهر، والشباب المحبوس فى قضية «تيران وصنافير»، وكل الشباب وكذا الكبار الذين يعيشون وراء أسوار الحبس دون جريمة محدّدة. مصر فى حاجة إلى تهوية!.